Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

  • مشكل المثقفين ــ كلارا زتكين ـ الحلقة الخامسة

     

    ضمن ملف كلارا زتكين سيدة مارس الأولىيقدم موقع مارس الثورية سلسلة من الحلقات تحت عنوان "مشكل المثقفين" لكلارا زتكين"

     

     

     الحلقة الخامسة

    ترجمته عن الفرنسية جميلة صابر

    على المثقفين الشيوعيين تأسيس بنية فوقية جديدة

    يبين هذا إلى أي حد تعتبر الأفكار الشيوعية هامة وفاصلة، لأنه فقط التصور الشيوعي للعالم الذي يمكنه أن يوفر قاعدة صحيحة من أجل تحويل الاقتصاد.

    رغم التنازلات التي يمكن القيام بها للرأسمالية التي ما زالت في مكانها، فالأهم سيكون الإبقاء على مسار الهدف العظيم للشيوعية. إن المثقف المستعد لدعم البروليتاريا في عملها للبناء والتحول في مرحلة الانتقال، سيكون أمرا ثمينا في البلدان التي تعاني من غياب نسبي للثروات الطبيعية كألمانيا مثلا، أو أيضا في البلدان الزراعية التي تعاني في غالبها من الجمود ومعزولة من طرف جيرانها الرأسماليين.

    لكن المشكل الذي يشغلنا هو بعيد المدى، فلا يقصد بالشيوعية فقط خلق إنتاج جديد، بل إنها تريد أن تبني على أساسها بنية فوقية إيديولوجية جديدة. فبتحويل العلاقات بين الناس داخل الإنتاج، عليها أيضا أن تعمل على تغييرها جوهريا في مجموع البنية الفوقية الإيديولوجية، ويعني هذا، أن جميع العقليات والعلاقات بين الأشخاص يجب تغييرها، وأن تظهر الروح الشيوعية في الإيديولوجية كلها، لكن هذه المهمة تثير المشكل الذي سبق أن تكلمت عنه قبل قليل، والذي يهم العلاقة بين القوى الأساسية للتطور التاريخي والتبادلات بين البنية الفوقية وعلاقات الإنتاج. هذه البنية الفوقية التي لا يمكن أن تبنى في اتجاه الشيوعية إلا بقدر ما تصبح مشكلة من تصور جديد للعالم ومحددة بشكل واضح.

    لنتخيل أن إنتاجا انتقل من الرأسمالية إلى الشيوعية قد أحدث بشكل أوتوماتيكي تصورا جديدا للعالم والبنية الفوقية الإيديولوجية التي تلائمها لا علاقة لها بالماركسية، فسوف يكون هناك تفاعل. إن التطور نحو الشيوعية في البنية الفوقية للمجتمع، وفي مجموع ثقافة شيوعية جديدة، لن يتم بتتابع ميكانيكي، أي الإنتاج أولا والإيديولوجية ثانيا، ولكن بتزامن حي تام وفي تفاعل دائم بين الإنتاج وعالم الأفكار.

    إن البروليتاريا التي تحارب تحت راية الماركسية، قد أدركت ذلك، وجعلت منها الخط التوجيهي لعملها في ميدان تنظيم سلطة الدولة والقانون، بقدر ما يجد الإنتاج في هذا الميدان تعبيره ودعمه. على هذا الصعيد، فالتعبير النظري والعملي الأكثر تمفصلا، الذي نتوفر عليه لحد الآن في الخط الفكري لماركس وانجلز، هو نظرية الدولة للينين ونظام السوفياتات. لكن رغم أن المادية التاريخية لماركس وانجلز، قد وفرت لنا الأسس، التي تسمح بنقل النضال من أجل مفهوم جديد للعالم إلى باقي المجالات فإننا لم نقم به بعد، والحالة أنه يعتبر ضرورة.

    أجل، لا أحد ينكر ان انحلال الإيديولوجية البورجوازية يترجم انحلال الإنتاج الرأسمالي، ولا أحد ينكر أيضا، أن الأفكار الجديدة لا تتطور إلا على قاعدة إنتاج متحول بالكامل، لكن انحلال الإيديولوجية البورجوازية وتعويضها بمفهوم شيوعي للعالم، لا يمكن أن يحدث إلا على مستوى البنية الفوقية الموجودة، ولا يمكن للمفهوم الجديد للعالم أن يلعب دورا فاعلا وخلاقا ضمن البنية الفوقية الإديولوجية، ولا يمكن أن تتطور وتصبح مسيطرة وتعوض الإيديولوجية البورجوازية، إلا داخل صراع بلا هوادة ضد هذه الإيديولوجية، ومن هنا الأهمية الكبرى التي يجب منحها لتطور وفعالية الإيديولوجية الثورية بعد الاستيلاء على السلطة.

    يجب على المثقفين الشيوعيين فتح نقاش مع الإيديولوجية البورجوازية

    على الأممية الثالثة في هذا الميدان، إنجاز مهمة أهملتها الأممية الثانية على نحو بئيس، فهذه الأخيرة بالفعل رفضت فتح نقاش إيديولوجي على نطاق واسع مع الإيديولوجية البورجوازية، فقد اعتبرت قطاعات واسعة من الحياة الثقافية محايدة، لقد تخلت بالأخص عن النقاش حول الدين، معلنة أن هذا الأخير مسألة خاصة. فماذا كانت نتيجة هذا الموقف؟

    لقد تخيلت الأممية الثانية أن تحطيم الإنتاج الرأسمالي، وإقامة نمط إنتاج شيوعي يولد حتما وبشكل أوتوماتيكي بنية فوقية شيوعية وإيديولوجية شيوعية متطورة تماما. لقد ظنت أن ثقافة وإيديولوجية جديدتين ستسقط عليها من السماء ذات يوم مثل فاكهة ناضجة. لقد تخلت عن المساهمة في إنضاج الناس، الذين كان يجب أن يقطفوا هذه الفواكه، لقد تخلت عن تسريع السيرورة التاريخية بتطوير الإيديولوجية.

    وجدت الإيديولوجية البورجوازية ملاذات متعددة في الصفوف الخاصة للأممية، لتبقى الإيديولوجية السائدة، نازعة بذلك، من القسم الأكبر من المنتسبين للاشتراكيات الديموقراطية، القوة الداخلية والمعارف النظرية التي يمكنها، ويجب عليها أن تتحول إلى قوة ثورية وإلى نشاط ثوري. بالإضافة إلى ذلك حرمت الأممية الثانية نفسها من قوة الجذب التي كان من الممكن أن تمارسها على الفئات المثقفة، حيث وضعت مصالحهم المهنية أو الفكرية في تعارض مع الإيديولوجية البورجوازية. لقد منعت الاشتراكية كمفهوم للعالم والمجتمع، أن تصبح قوة خلاقة في حياة الأشخاص والجماهير أي طاقة اجتماعية" تغير العالم".

    لقد شكل سقوط الأممية الثانية في بداية الحرب استسلاما جليا للإيديولوجية الاشتراكية أمام الإيديولوجية البورجوازية، وإن تاريخ الإصلاحية منذ هذا الحين جاء بكل بساطة ليؤكد أن الأممية الثانية تنازلت تماما، على أن تتجاوز الإيديولوجية البورجوازية وتعوضها بالإيديولوجية الثورية للبروليتاريا.

    تعليم مبادئ الشيوعية للعاملين في مجال الفكر

    إنه هنا حيث يجب أن تتدخل بكل وضوح الأممية الشيوعية، فليس من حقها أن تقف كمجرد متفرج أمام أزمة الحياة الفكرية للثقافة البورجوازية، عليها أن تعطي لهذه الأزمة محتواها الإيجابي، ففي وجه السيرورة الفوضوية والعمياء لتحطم وتعفن الثقافة البورجوازية، يجب خوض صراع نشيط وواعي من أجل نشر المفهوم الثوري للبروليتاريا. هذه المهمة تسلط الضوء على أنه كم هو مهم أن يكون لك مثقفون كحلفاء، إذ يمكنهم أن يكونوا ثمينين، عندما يتعلق الأمر بالانتصار على الإيديولوجية البورجوازية واستبدالها بالأفكار الشيوعية.

    هذه القناعة يجب أن تدفعنا إلى إيجاد حلفائنا في النضال من أجل الثورة البروليتارية، لكن للوصول إلى ذلك، يجب علينا محاربة، بكل ما أوتينا من قوة، أيديولوجيتهم البورجوازية، وإنه لمن الأولوية أن نبدأ بتعليم العاملين في مجال الفكر مبادئ الشيوعية، يعني الشيوعية كمفهوم عام للعالم بدون أقل تنازل لأي إيديولوجية بورجوازية. علينا أن نبين لهم، في نفس الوقت، الشيوعية كإيديولوجية النضال الثوري للبروليتاريا، في كل صلابتها وعنادها مع الأهداف المحددة، وكنظرية خلاقة وبناءة، يجب أن نفهمهم أن الشيوعية يجب أن تحطم لكي تستطيع أن تبني، يجب أن ندفعهم إلى الوعي بأن الشيوعية وحدها من يدافع عن مصالح المثقفين والثقافة، بإزالة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وتحطيم السيطرة الطبقية للبورجوازية، لكن يجب أيضا عرض تفهمنا لصعوبات المثقفين، وأن نكون الأمناء المدافعين عن هؤلاء، وعلى مطالبهم التي تمشي في اتجاه التطور التاريخي. عندما نفعل ذلك، يجب أن نبين بدون أي لبس، أنه في الوضع الحالي للصراع بين مصالح الانتلجانسيا ومصالح البورجوازية الكبيرة، لا يمكن النظر في الإصلاحات العميقة التي تلطف البؤس الراهن، ولا بالأحرى حل أزمة الثقافة في إطار الرأسمالية، ومع ذلك فعلى شيوعيينا التخلي بكل حزم عن كل سياسة طائفية أو نخبوية لصالح مثقفين (إقصاء النساء الخ ...)، فمثل هذه السياسة ستكون في تناقض تام مع العقلية الشيوعية التي هدفها تحطيم الطوائف الاجتماعية والطبقات.

    من أجل عملنا الدعائي بجانب المثقفين، يجب أن نستعمل كل العداءات الطبقية الموجودة بينهم، الانطلاق من موقفهم القومي، بتعميقه وبالتوضيح لهم، أن البروليتاريا الثورية اليوم، هي الطبقة الوحيدة الموحدة بشكل تضامني دقيق في جميع أنحاء العالم، القادرة على تطبيق سياسة وطنية فعلية، يجب أن نشرح للمثقفين لماذا لا يمكن حل المسألة القومية إلا في سياق صراع الطبقات الثوري الأممي، وعندما تتشكل البروليتاريا كأمة بالاستيلاء على السلطة وإقامة دكتاتوريتها.

    دور المثقفين ودور الحزب الشيوعي

    إن الموقف الأساسي للأحزاب الشيوعية إزاء المثقفين، باعتبارهم فئة، يقوم على هذه القاعدة. إن عمل الشيوعيين وسط العمال في مجال الفكر، يجب أن يقف عند ربح رفاق للنضال من أجل الأعمال السياسية الكبرى، وبطبيعة الحال، حلفاء من أجل فعل وحدوي. يجب بأي ثمن منع الأحزاب من أن يتم اكتساحها من طرف المثقفين، لكن بالنسبة لهذه النقطة، فليس هناك شيء يمكن الخشية منه، إذ أن تدفقا ضخما للمثقفين داخل الأحزاب الشيوعية سيزيف طابعها كليا ويعزز ويقوي الاتجاهات نحو التبرجز ونحو الانتهازية. هل يعني هذا أن أحزابنا يجب أن تغلق أمام المثقفين؟ أبدا! لكن فقط في وجه أولئك الذين قدموا البراهين، من يجب أن يقبل، ويجب أن نكون متأكدين أنهم فعليا نزعوا الحواجز التي توجد في عقولهم وتفصلهم عن البروليتاريا.

    هذا يفترض، ليس فقط أنهم يعترفون ويحسون بألم البروليتاريا حاليا، لكن أن يروا فيها في ظل الأفق التاريخي بطلا ومناضلا ثوريا، منتصرا على العالم القديم ومشيدا لعالم جديد. إذا كان الأمر كذلك، يمكن أن نكون متأكدين أنهم سيساهمون في كل نضالات البروليتاريا، وأيضا في كل الهزائم التي لا يمكن تجنبها وذلك مع وفاء راسخ. لن نداهن المثقفين الذين ينخرطون في الحزب الشيوعي، لن نشهد لهم بإعجاب أعمى، لكن لن نطبق أيضا سياسة الأيدي الخشنة ضدهم، وما هو صالح لسلوكنا قبل الاستيلاء على السلطة، صالح أيضا في الفترة التي ستليه.

    خلال الصراع من أجل السلطة ستكون لنا عدة مناسبات لنلاحظ أن المثقفين هم بصفة عامة حلفاء مترددون وغير موثوق بهم، سيحصل لهم في كثير من الأحيان أنهم يلتحقون بالمعسكر المضاد للثورة، إلى أن يصبح نضال البروليتاريا منتصرا وحاسما وبعد الاستيلاء على السلطة سيكونون "شيوعين براغماتيين" و"ديموقراطيين مثاليين" الذين يريدون أن يظلوا "واقعيين". فكم من الوقت سيظل رفقاؤنا هؤلاء أوفياء؟ إنه سؤال آخر.

    يجب أن نتوقع رؤية مثقفين قد تخلوا إذا السلطة البروليتارية بدت متذبذبة، ولا يجب الشعور باليأس، فخلال فترة الانتقال الصعبة، سنجد وسط المثقفين سياسيين واقعيين حقيرين، وفي بعض الأحيان سخيفين، أكثر منهم أبطال، ومع ذلك، ومهما كان الأمر أيها الرفاق، فليس مسموحا لنا أن ننسى ما تدين به البروليتاريا الثورية للبعض منهم، بل وخلال الثورة سيتشكل فريق من المثقفين واع و وفي، فهؤلاء يقدمون خدمات ثمينة للبروليتاريا، ليس فقط بالنضال والعمل إلى جانبها، رغم الأخطار والتضحيات، ولكن بأن يكونوا مثالا ومرشدا لجماعات متعددة من المثقفين، لهذا فليس ضروريا أن هؤلاء الأخيرين ينخرطون بعدد كبير في الحزب، أولئك الذين من بينهم الذين يريدون خدمة البروليتاريا والمستقبل التاريخي، إذ يمكنهم أن يتجمعوا في جمعيات المتعاطفين، ويكون لهم داخلها نشاط اجتماعي (الإنقاذ العمالي، الإنقاذ الأحمر الدولي، أصدقاء روسيا الجديدة، مركز المعلومات حول العلوم والفن الروسي، اتحاد الكتاب البروليتاريين ألخ ...)

    دور المثقفين في ظل الاشتراكية

    لدينا القليل من السوابق التاريخية فيما يتعلق بالكيفية التي تنشأ بها العلاقات بين البروليتاريا الثورية والمثقفين بعد الاستيلاء على السلطة، فخلال جمهورية المجالس في ميونيخ، رأينا في البداية الكثير من المثقفين يتقدمون بشكل صاخب إلى الأمام ويزرعون الغموض، لكن بعد أن تم سحقها انسحب أغلبيتهم وذهبوا لحال سبيلهم، أو حتى انتقلوا الى صفوف العدو. لا ننسى، علاوة على ذلك، أن المثقفين المعروفين، الذين قدموا تضحيات كبيرة جدا يعيشون خاملين في الزنازن(9) أو في المنافي، أو ماتوا في المعركة، اثنان من بينهم قاوموا وماتوا من أجل جمهورية مجلس ميونيخ وهما: لاندوير Landauer الاشتراكي الثوري الطوباوي وليفيني Leviné الشيوعي الواعي.

    خلال 131 يوما من وجودها، استطاعت جمهورية المجالس الهنغارية(10)، أن تحسب كل مخاطر التحالف مع الأنتلجانسيا، والأزمة التي تألمت منها هذه الأخيرة يرجع أصلها الأساسي إلى "دكتات" (املاءات) دول الوفاق(11) التي أرجعت هنغاريا "إلى حدودها الوطنية الطبيعية" وشوهت الملكية بجد. في هنغاريا التي يحكمها آل هابسبورغ، اعتبرت الأرستقراطية الدولة ضيعتها، وأقامت فيها أبناءها "مثقفين" بهذا القدر أو ذاك. كان عدد المثقفين النبلاء في الوظيفة العمومية ضخما، وكان هؤلاء السادة ينتظرون دولة جديدة مقلصة المساحة يحافظون فيها على نفس القدم كالسابق، وعلى أساس هذه المشاكل، جاءت لتنتظم الصراعات بين المثقفين النبلاء والمثقفين البورجوازيين، هؤلاء الأخيرين الذين أعلنوا عن ظهورهم في هنغاريا مع صعود الرأسمالية، فقد كانوا ضحايا الأزمة الاقتصادية التي تتزايد خطورتها يوما عن يوم. لقد بدأ المثقفون الهنغاريون يبتهلون إلى الله بكلتا يديهم بأن يعملوا بكل ما أوتوا من قوة من أجل إرجاع آل هابسبورغ إلى الحكم، فبعد الثورة انضموا بسرعة إلى جمهورية كاروليي(12) Mihaly Karolyi، وأخيرا، بعد إنشاء جمهورية المجالس انضموا إليها، وكان الشعور القومي محددا في هذه المحاولة، لقد كانوا يأملون في أن النظام الجديد سينشئ هنغاريا بحدودها القديمة.

    إنه من الأمر المميز أن يظهر أن جمهورية المجالس كلما استطاعت الاستمرار، كلما زاد عدد المرتبطبن بها، والضباط من بينهم، وبعد سقوطها يصبحون المتهمين والقضاة والمعذبين الأكثر بشاعة والأكثر قساوة وأكثر المحرضين المحمومين ضد البروليتاريا الثورية، فمن صفوفهم خرج أعضاء جمعية "استيقظ أيها الهنغاري"(13).

    لكن هناك أيضا، مثقفون على رأس جمهورية المجالس حملوا أعلام الجماهير العمالية والفلاحية المستعبدة والمستغلة، فقد قاوموا وعرفوا الجوع وأعطوا دماءهم وماتوا وتعرضوا للاغتيال والذبح من أجلها في ظروف فظيعة، وبعضهم ما زال في السجن أو في المنفى.

    هؤلاء المثقفين قادة الجمهورية الهنغارية للمجالس، هم من بين أحسن الأبطال والأكثر وفاءا للثوة العالمية البروليتارية وللأممية الشيوعية.

    إن موقف الأنتلجانسيا تحت حكم دكتاتورية البروليتاريا في الاتحاد السوفياتي، هو بطبيعة الحال مفيد وأكثر أهمية بكثير. في روسيا السوفياتية وجهت دكتاتورية البروليتاريا الضربة الأولى الحاسمة لتلك العقدة المستعصية، المتمثلة في مشكل المثقفين، لقد أنشأت نظام السوفياتات، وأعلنت عن الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، لقد خلصت إذن العمال بما فيهم المثقفين من نير الملاكين الرأسماليين، ووضعت المبدأ لاستقلالهم الاقتصادي ولحريتهم. لقد سقطت السلاسل التي كانت تكبل المثقفين والعمل الفكري نفسه في النظام البرجوازي، مع ذلك، فتاريخيا، فإن كل تحول جوهري يبدأ بفترة انتقال صعبة بآلامها وتنازلاتها وتضحياتها من أجل الجميع، وتشمل أيضا آلاما وتنازلات وتضحيات من أجل المثقفين. في أغلب الحالات فإن إيديولوجيتهم البورجوازية هي التي تنتصر، فهم لا يرون بشكل واضح ما أتت لهم به دكتاتورية البروليتاريا، لكنهم يتأسفون لكونهم فقدوا وضعا متميزا، والذي بالنسبة للكثيرين كان مع ذلك وهما أكثر منه حقيقة.

    في روسيا القديمة ،كان جزء من الأنتلجانسيا يتمتع فعلا ببعض الامتيازات بسبب الظروف الاجتماعية والثقافية التي نعرف، وهاته الأخيرة، كانت تسير على المستوى نفسه، مع خنق الحياة العامة والثقافية من طرف القيصرية، من رقابة وسجن ونفي إلى سيبيريا الخ ... كانت مفاهيم ملازمة للعمل الفكري في جميع المجالات، كان أغلب المثقفين إذن معارضين، الشيء الذي يتضح كذلك من خلال أصولهم، فكثير منهم جاء بالفعل من البورجوازية الصغيرة والنبلاء الفقراء والفئة الدنيا من رجال الدين، فقد كانوا في مقدمة الصراع ضد القيصرية، وجعلوا أنفسهم أبطال الامبريالية لصالح البورجوازية الصاعدة، ولكن، فقد خرج أيضا من بين صفوفهم قادة الديموقراطية البورجوازية الصغيرة، وبعضهم رأى أبعد من ذلك، أي أبعد من الثورة البورجوازية، فهم يسعون إلى الثورة الاجتماعية، فالاشتراكيون الثوريون، المناشفة الخ ...كانوا أنصار الثورة الاجتماعية إلى غاية الوقت الذي أخذت فيه البروليتاريا، مدعمة بالفلاحين الفقراء بجدية الأمور بيدها، وقامت بالثورة، فالتحقوا هم أيضا بمعسكر الثورة المضادة مع أغلبية المثقفين البورجوازيين .

    إن أغلب العاملين في المجال الفكري بدأوا في تخريب النظام السوفياتي في جميع المجالات، حيث كان عملهم فيها مهما، فهم الذين نقلوا الأكاذيب إلى الصحافة الأجنبية، والافتراءات الأكثر خبثا والأكثر حقارة ضد البلشفية. في روسيا نفسها، وفي البلدان الرأسمالية، صنعوا من أنفسهم عملاء وجواسيس الثورة المضادة. لقد رأت السلطة السوفياتية نفسها في الحاجة إلى أن تعاقب بقسوة، وألا تترك نفسها تعميها الشعارات حول حرية الفن والعلم، أي حد الموافقة على الحرية السياسية لفعل كل شيء، الحرية التي يمكن أن تصبح حرية ارتكاب جرائم، لقد كانت في حالة الدفاع عن النفس، وكان عليها أن تتصرف بحزم وبدون ضعف.

    على الحزب الشيوعي أن يكون مثقفين بروليتاريين

    من البديهي أن الموقف العدائي للأنتلجانسيا غداة أخذ السلطة، قد أثر بقوة على مواقف البروليتاريا تجاهها. إن جماهير العمال والفلاحين ما زالت تغذي كراهية قديمة ضد "الرجال ذوي الأيادي البيضاء"، الذي يطابق المثقفين بملاكي الأراضي وبالبرجوازية، وقد كان تأجج هذه الكراهية بسبب موقف المثقفين المتردد والمعادي في بداية الثورة، وبسبب الخوف من أن يروهم يستفيدون من تفوقهم الفكري لكي يؤلفوا طائفة مهيمنة، لقد تكونت هذه الكراهية قديما، أوبالأحرى بشكل قوي، في روسيا، لأن مشكل الأنتلجانسيا مرتبط بدقة بالبيروقراطية، وبالموازاة مع ذلك يدخل واقع الأمية على الخط.

    إنه لأمر مفهوم أن نجد قد تطورت لدى البروليتاريا تجاه الأنتلجانسيا مواقف تتجه نحو الابتعاد عن الخط الشيوعي الصحيح، وقد تكونت هذه المواقف عندما رأت في المثقفين صنفا مستقلا – إذا لم نقل في أدنى رتبة وخطيرا – الذي يجب إبعاده، في نفس الوقت، من دورات التكوين ومن الحياة السياسية، فقد يحدث أن يتم منع المثقفين من ممارسة مهنتهم وطردهم من الحزب، ورفض دخول أبناءهم الجامعة فقط لأنهم كانوا مثقفين. أجل، لقد كانت حالات معزولة، لكن فقد كان لها معنى ...

    إن هذا الموقف يتناقض مع السياسة العامة للسلطة السوفياتية تجاه المثقفين، فهذه الأخيرة لا تنوي عزلهم، بل بالعكس فهي تنوي إدخالهم في سيرورة بناء مجتمع جديد، بارتباط مع قدراتهم وتكوينهم. يضاف إلى هذا، لتفادي إمكانية تشكيلهم طبقة جديدة قائدة، فهي تسعى جاهدة لرفع المستوى الفكري للجماهير، وبالأساس تشجيع أنتلجانسيا بروليتارية، بأن تسهل لها إلى حد أقصى الولوج إلى دورات التكوين والتدريب المهني. أجل أنتلجانسيا مثل هذه، تتوفر على ثقافة عامة ومعارف مهنية ضرورية لا تنشأ بين عشية وضحاها، يمكننا أن نخاف من دراسات مكثفة مركزة في ردح قصير من الزمن – خاصة في ظروف الحياة الراهنة، ومع عبئ العمل الذي يتطلبه الحزب – تؤدي إلى الإرهاق، مع خطر استنزاف وتدمير القوى الفكرية الثمينة للشباب البروليتاري قبل الأوان. إن السياسة التعليمية للحكومة السوفياتية تبحث عن تجنب هذه المخاطر وأخرى من نوع آخر، فهي بفطنتها تعرف أن الفصل بين البروليتاريا والمثقفين أمر معارض للشيوعية، فهذه الأخيرة ليس هدفها خلق طوائف جديدة، بل إزالة الطوائف والطبقات، وعلاوة على ذلك، فسياسيا، سيكون سجن المثقفين في غيتو، تم تحديثه، خطئا، من شأنه أن يعمل على تكوين مجموعة من الساخطين والمخربين وأعداء يشتغلون في الظل.

     

    هوامش:

    9 ــ كانت بالأخص حالة إرنست توللير Ernest Toller الذي حكم عليه بخمس سنوات في قلعة.

    10 ــ الجمهورية الهنغارية للمجالس التي أعلن عنها في 2 أبريل من طرف بيلا كون Bela Kun، وقد تم إسقاطها من طرف فرق الأميرال هورثي Horthy المضادة للثورة.

    11 ــ بمقتضى معاهدة تريانون الموقعة في 4 يونيو سنة 1920 تم تقليص مساحة هنغاريا وأصبحت تشمل وسط سهل بانونيين مما يعني تقليص مساحتها الترابية عن السابق ب الثلثين.

    12 ــ ميهالي كاروليي Mihaly Karolyi عين رئيسا للجمهورية الهنغارية في يناير 1919 بعد سقوط الملكية وعوضت حكومته بجمهورية المجالس.

    13 ــ يتعلق الأمر بالعديد من المنظمات الفاشية التي تأسست في هنغاريا في سنوات العشرينات.