Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

مشكل المثقفين ــ كلارا زتكين ـ الحلقة الأخيرة

 

ضمن ملف كلارا زتكين سيدة مارس الأولىيقدم موقع مارس الثورية سلسلة من الحلقات تحت عنوان "مشكل المثقفين" لكلارا زتكين"

 

 

 الحلقة الأخيرة

ترجمته عن الفرنسية جميلة صابر

 

 

بصدد التقييم الاجتماعي ومكافأة العمل

إن إدماج الأنتلجنسيا في سيرورة بناء الشيوعية يطرح مشاكل خطيرة، مثل التقييم الاجتماعي ومكافأة العمل الفكري واليدوي. حسب التصور الشيوعي، فكل عمل إذا كان نافعا وضروريا للمجتمع، يمكن أن يطمح إلى نفس التقييم الاجتماعي، من وجهة النظر هذه، فإن التوازن بين مداخيل المثقفين ومداخيل البروليتاريا، يجب أن يكون الحصول عليه عن طريق زيادة سريعة وجوهرية للتقييم الاجتماعي للعمل اليدوي، لكن اقتصاد الانتقال هو اقتصاد تقشف يفرض حدودا ضيقة على العمال اليدويين والمثقفين على حد سواء.

وهؤلاء الأخيرين ساخطون على ذلك، فليس من الناذر رؤية عامل في مجال الفكر لا يريد الاستفادة من النيب NEP، يتقاضى أقل بشكل طفيف من العامل المؤهل.

في نظري، فإن سياسة الدول السوفياتية، عليها أن يكون هدفها تأمين ظروف العيش لكل العمال، التي تسمح لهم بالحصول على الحد الأدنى من المردود في مهمتهم، في نفس الوقت فإن وضعية المثقفين لا يجب أن تتطور نحو وضع رجل النيب NEP بشكل يجرح فيه شعور البروليتاريا بالعدل والمساواة.

يجب إفهام المثقفين والبروليتاريين، أن تقييم عملهم في الظروف الحالية، ليس أبدا تعبيرا عن التقييم الاجتماعي له، إن أجرا متواضعا يمكن أن يتمشى جنبا إلى جنب مع أعلى التقدير الاجتماعي. باعتبار الوضعية التاريخية الحالية، بعظمتها وصعوباتها، فعلى البروليتاريون والمثقفين العدول عن تلبية عدد معين من الحاجيات، ليس فقط من طبيعة ثقافية، بل كذلك عن تلك التي تمثل حاجيات أولية. سيسهل عليهم ذلك التحمل، إذا هم فهموا أنهم هم من يخلق بسرعة الخيرات المادية والثقافية بالكمية الكافية، فبالتعاون بقوة وبإخلاص لبناء الإنتاج والحياة الثقافية، سيكونون أسياد مصيرهم، ضامنين للأجيال المقبلة حياة سعيدة ومريحة، وتصبح لهم القوة لحب المستقبل وتحمل الحاضر بفرح وافتخار.

الأولوية للرفع من الثقافة العامة الشعبية

هناك مشكل يطرح، وهو ما يتعلق بالأولويات: هل يجب إعطاء امتياز للتعليم الاولي العام، التكوين المهني، أو الفن، أو العلم. في نظري فإن سياسة الجمهوريات السوفياتية في هذا المجال صحيحة تماما، فهي تؤكد بوضوح على الرفع من الثقافة العامة الشعبية. إن تكوين وتثقيف الجماهير الواسعة جدا، يشكل القاعدة الأساسية للتكوين المهني، وهي أيضا ضمانة لأن يتم الانتقاء على مستوى التكوين المهني والدراسات العلمية والفنية، حسب معايير الكفاءات وليس حسب الأصل الاجتماعي أو أشياء أخرى، ولذلك أثر في إزالة مفاهيم "الناس المثقفين" أو "غير مثقفين" (بدون ثقافة) التي تفصل العاملين في مجال الفكر عن العمال اليدويين، وتسهيل الانتقال من مهنة إلى أخرى، إنها تخلق القاعدة الأساسية لتطور العلوم والفنون، وهي أساسية لكي تصبح جماهير واسعة قادرة، في خطوة أولى، على فهمها وتقديرها، ثم في خطوة ثانية المساهمة في سيرورة عملية الإبداع.

لكن إذا أردنا حل مجموع المشاكل التي يطرحها التعليم الشعبي، وخلق ثقافة جديدة من مستوى عالي. لا يجب أن نهمل عاملا أساسيا، وهو التعليم عن طريق، ولصالح العمل الجماعي، فسيساهم بدرجة عالية في محو التعارض بين المثقفين والعمال اليدويين، سيعمل على إفهامهم اعتماد بعضهم على الآخر، وعليهم أن يتوحدوا من أجل تضامن غير قابل للتدمير، فسيسمح لهم بالانتقال من نشاط إلى آخر، وسيؤدي بهم إلى الشعور بتضامن المجتمع كله. مع الأسف فإن العديد من العقبات تعترض طريق التعليم بواسطة، ولصالح العمل الجماعي، كمنهج الحد الأقصى يسمح لكل واحد، بتطوير قدراته بتناغم، وممارستها في جميع المجالات، فهي مقبولة مبدئيا، لكن هناك نقص في الوسائل وفي الأدوات، وخاصة في المربين والمعلمين القادرين على تنفيذ المهمة على أحسن وجه، هذا بدون الحديث عن باقي الصعوبات.

ماركس وتكوين الإنسان الجديد

هذا الوضع يسلط الضوء على إلى أي حد كان ماركس على حق، عندما قال في جداله مع شتيرنر Stirner 1، أن تحقيق الشيوعية يتطلب عقودا، إن الأمر لا يتعلق فقط، كما يقول، بخلق علاقات اجتماعية جديدة، ولكن أيضا تكوين ناس جدد قادرين على إعطاء شكل لهذه العلاقات الجديدة، وقد أكد لينين مرارا ومرارا على هذه النقطة، فبالنسبة له، فإن تحقيق الشيوعية كان مرادفا لتدخل نشيط وذاتي لجماهير منظمة، غير أنه، حتى تستطيع هذه الأخيرة التصرف هكذا، يجب أن تكون هناك سيرورة تطور، وتطور، نمو، تربية مخطط لها على المدى البعيد، وأيضا تعليم ذاتي وانضباط ذاتي للجماهير .

إن أخذ الجماهير مسؤولية نفسها، بهدف تحقيق الشيوعية، ليس ممكنا إلا في إطار تعاون تام مخطط للمثقفين والعمال اليدويين، غير أن هذا التعاون يتطلب مناهج جديدة ما زالت لا توجد جاهزة بالكامل، ولكن، تماما، ككل العلاقات وأنماط الحياة الجديدة، لا تتشكل إلا بالتدريج انطلاقا من الممارسة، لذلك فمن الضروري وجوب توخي حذر شديد من كل هذا الانبثاق للأفكار المبتكرة في مجال أنماط الحياة، والمناهج الاجتماعية للعمل، وللتعليم والعلاقات الإنسانية الخ ... ولهذا السبب أيضا، من الضروري الحرص مع كثير من الصرامة والحزم، على أن القوى التي حررتها الثورة البروليتارية يتم تطويرها في اتجاه الشيوعية، وكان لينين يرغب في أن يتولى العمال اليدويون والمثقفون هذه المهمة، أناس إذا كانت لهم معارف ملموسة وتكوين نظري، ينذرون أنفسهم جسدا وروح، لاتباع التطور الاجتماعي، ويدرسون بشكل معمق مجموعة المشاكل التي يطرحونها. إن اللجنة المركزية للمراقبة، عليها أن تشكل المحاولة الأولى لخلق تنظيم من هذا النوع، والتفتيش العمالي الفلاحي يجب أن يعمل في نفس هذا الاتجاه.

الاشتراكية تمنح هدفا للأنتلجنسيا

يمكن لنا أن ننتظر تحقيق تعاون بين المثقفين والبروليتاريين الشيوعيين، بشكل أكثر سرعة في الاتحاد السوفياتي أكثر منه في بلدان أخرى بعد الثورة البروليتارية، وأن أزمة الأنتلجنسيا سيتم تجاوزها في أجل قصير نسبيا.

يمكن أن نلاحظ منذ الآن، أن عددا كبيرا من المثقفين تبنوا موقفا داعما، حازما ومخلصا للنظام السوفياتي، وقرروا العزم على التعاون مع الحكومة، وإن ظرفا خاصا سيلعب في هذا الاتجاه. إن الإيديولوجيا البورجوازية لم يكن لها جدورا عميقة في روسيا القديمة، فلم تلعب أبدا نفس الدور القوي الموحد كما في الغرب الأوربي وفي الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا السبب كانت لمعارضة المثقفين خاصية اجتماعية واضحة، التي تعبر عن نفسها في الأدب، وخولت لها مكانة خاصة، مكانة الشرف التي تحتلها في الأدب العالمي.

ما الذي يعطي للنقد الواقعي والطبيعي للمجتمع أصالته، والذي نجده في الأدب الروسي؟ إنه الفكر الاجتماعي الذي تتجلى فيه هذه الحساسية ذات الطبيعة الاجتماعية، هذا التفكير، وهذه الإرادة في إظهاره، والتي أعطت لأعمال المثقفين الروس، تحت حكم القيصرية الكثير من القوة الثورية، وكان لهم تأثير معبئ ومغير، ففي أعمال تولستوي، رغم كل مظاهرها الرجعية، نجد التعبير الفني الأكثر رقيا للفكر الاجتماعي والثوري للأدب الروسي لما قبل الحرب، وليس مستبعدا أن التقليد الاجتماعي للمثقفين ينتعش، وبمساعدتهم والعمل البناء يتزايد، وستصبح ازمة الأنتلجنسيا متجاوزة.

هل يمكن أمام المشاكل المعقدة لأقصى حد، تبني الضرورة، والدور الحاسم لعلم ولثقافة ولفن بروليتاري بشكل خاص.

إنه مع الأسف بالنسبة لي، من المستحيل معالجة هذا المشكل هنا بصفة شاملة، لكن مع لينين وتروتسكي فإني أجيب عنها بالنفي، فالفن والثقافة ليسا كائنين اصطناعيين يقوم مختصون في الجماليات بصناعتها في قوارير حسب فورمولات حذقة وعالمة.

إن الحكومة السوفياتية تقدم الدليل على ما يمكن ان يتحقق تحت دكتاتورية البروليتاريا ضد أزمة الحياة الفكرية والثقافية، رغم صعوبات اقتصادية كبيرة. فإذا قارنا بين ميزانية التعليم والوسائل المتاحة في الاتحاد السوفياتي، وما هو متوفر في الدول الرأسمالية، فإننا نلاحظ أنه لا توجد أية دولة، بإمكانها التباهي والتظاهر، ومن بعيد، بالقلق تجاه الثقافة، أكثر من الجمهوريات السوفياتية. هذا يبين جيدا أنه تحت سلطة دكتاتورية البروليتاريا سيصبح كل من العلم، الفن والثقافة غايات اجتماعية، غايات في ذاتها، لم يعد من هدفها خدمة البحث عن الربح الرأسمالي، وهذا يفسر كل الإجراءات الهادفة إلى تأسيس بنية فوقية إيديولوجية جديدة: تمويل أسفار دراسية وتجارب علمية، ترقية مختلف التخصصات العلمية والفنون الخ ... وتحسين مجالات الصحة العمومية والقانون.

الاشتراكية تحقق التركيب العضوي بين العمل والعلم والفن

إننا نعلم أن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، يؤدي ثمنا غاليا جدا لنيل شرف ان تكون طليعة البروليتاريا الثورية العالمية، فالجماهير الكادحة، التي تحركها الرغبة الشديدة في بناء مجتمع جديد، يقوده الحزب الشيوعي، تحمل ثقلا هائلا من المسؤولية والهموم والآلام والحرمان والتضحيات، والمثل الأعلى الشيوعي العظيم يمنحها القوة، فبفضله تصبح الرغبة معرفة، وثقة وإرادة، ويولد قدرا هائلا من الطاقة الاجتماعية التي تستعمل في الدفاع وبناء الدولة السوفياتية. هنا فوق أرضها بدأ يتحقق ما لم يستطع المجتمع البورجوازي تحقيقه: إنه التركيب العضوي للعمل وللعلم وللفن في سيرورة اجتماعية حية ومتجانسة، حيث كل واحد يحس بالتضامن من الجميع، وحيث كل واحد، بالعمل على تلبية رغبات وعلى سعادة الفرد، فإنه يعمل أيضا على رضى وسعادة الجميع.

إن هذا التطور السريع سيحقق ما ميزه ريشارد فاكنرRichard Wagner، كهدف للتطور التاريخي، حيث يقول: "إن هدف التاريخ هو الإنسان، القوي والجميل، وأن الثورة تمنحه القوة والفن والجمال"2.

سيولد إنسان المستقبل هذا، الذي لا يحمل وصمات المثقف ولا وصمة البروليتاري، الذي لن تكون له كعلامة مميزة سوى إنسانية كاملة التطور ومتفتحة، سواء على المستوى الجسدي أو الفكري. فلنسرع بمجيء هذا الإنسان، بتحقيق ما لم يكن عند ريشارد فاكنر سوى طموح لحظة: فلتسبق قوة الثورة، الجمال والفن، وتهيئ لها الطريق.

إنه من هذه الزاوية أيضا، يجب علينا النظر إلى أزمة الأنتلجنسيا والعمل الفكري. إن المحنة المؤلمة جدا، التي يعرفها المثقفون تفرض عليهم التحالف مع البروليتاريا الثورية، التي تصرخ فيهم: "يجب ذلك"، وهم مترددون، وبالرغم منهم يرددون: "يجب ذلك". نحن الشيوعيون، الذين يفهمون اتجاه السيرورة التاريخية، كنا قد حققنا في عقولنا هاته الحرية، التي وحده المجتمع الشيوعي من يمنحها للجميع: إنها إرادة كل ما هو ضروري، ولهذا السبب فنحن لا نستجيب لنداء زماننا عبر "نريد ذلك"، مترددة وغير مؤكدة، بل عن طريق "نريدها" مفرحة وحازمة.

انتهى

جميلة صابر

5 – 10 - 2017

الهوامش

1 ـ ماكس ستيرنر Max Stirner (1806- 1856) انظر "الإيديولوجية الألمانية" لكارل ماركس وفردريك انجلز .

2 ـ ريشار فاكنرRichard Wagner ، 'الفن والثورة".

Les commentaires sont fermés.