أولرايك ماينهوف: المناضلة الثائرة و القائدة المنظرة و الشهيدة الثورية
En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.
و على نهج أسلافها الثوريين الماركسيين الألمان، كانت "أولرايك ماينهوف" أممية حتى النخاع، تساند كل القضايا العادلة للشعوب و الأمم المضطهدة، و قد حضي الشعب الفلسطيني لديها و لدى رفاقها الثوريين باهتمام خاص، حيث كانت تجمع "الراف" علاقة قوية بالتنظيمات اليسارية الفلسطينية، خاصة "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، التي ساهمت في تكوين الكوادر العسكرية الأولى للتنظيم الثوري الألماني في كل من الأردن و غزة (شارك في هذه الدورة التكوينية العسكرية كل من "هورست ماهلر"، "أندرياس بادر"، "غودرون إينسلين"، "أولرايك ماينهوف"، "بيتر هومان"، "برجيت اسدونغ"، و قد شارك جزء من المجموعة في عمليات مسلحة ل "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين").
كانت ألمانيا الفدرالية خلال سنوات الستينات من القرن الماضي، خاضعة في المجال السياسي لنفوذ حزبين سياسيين كبيرين، هما الحزب الاجتماعي الديموقراطي و الحزب الديموقراطي المسيحي، اللذان لوحدهما كانا يمثلان ما يقارب 90% من مقاعد البرلمان، مشكلين ما كان يسمى ب "الائتلاف الكبير"، بينما كان يمنع منعا كليا كل نشاط لحزب شيوعي، مما جعل البعض يرى أن الحياة السياسية في ألمانيا قد تم إقفالها.
في أوج المظاهرات الطلابية، التي كانت تعرف تصاعدا، قام مجموعة من المناضلين، الذين سيعملون على تأسيس "الراف" لاحقا، بإشعال النيران في المتاجر عن طريق قنابل حارقة، و سيتم اعتقالهم بعد يومين على ذلك، و سيقدمون إلى المحاكمة، و هؤلاء هم : "أندرياس بادر"، "غودرون إنسلين"، "ثرولد برول" و "هورست شهنلاين"، و خلال محاكمتهم، سيعلنون عن مسؤوليتهم عن الحريق، باعتباره أسلوبا للاحتجاج ضد اللامبالاة اتجاه الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفيتنامي، و قامت رئيسة تحرير المجلة اليسارية الشهيرة "كونكريت"، "أولرايك ماينهوف" بالدفاع عنهم. و في سياق عام اتسم بحملات واسعة من طرف الجرائد الألمانية ضد اليسار الثوري، قام أحد الفاشيين يوم 11 أبريل 1968، باغتيال الزعيم الطلابي الثوري "رودي دوتشكي"، فاشتعلت الحركة الطلابية، و اتسعت دائرة التعبئة النضالية، و احتل الطلبة أغلب الجامعات الألمانية، و دارت معارك كبيرة بين الحركة الطلابية و الأجهزة القمعية للنظام الحاكم، و انتهت المعارك باعتقال 1000 طالب ألماني، و مئات الجرحى و قتيلين، و قد عرف الوضع أوجه عندما صادق البرلمان الألماني على قوانين الطوارئ الاستثنائي لمواجهة الوضع.
إن "أولرايك ماينهوف" تنتمي لهذا الجيل الثوري، بانتصاراته و إخفاقاته، و حدودها هي حدود هذا الجيل، فرغم أنها كانت متأثرة بأفكار ماو تسي تونغ، إلا أنها لم تستوعب دروس الثورة الثقافية البروليتارية الصينية، فخاضت معركتها ضد الامبريالية الأمريكية، باعتبارها نضالا على الصعيد العالمي مستمرا إلى حدود الانتصار، و لم تدرك أهمية النضال من داخل القلعة الإمبريالية الألمانية، و بذلك غاب عن ذهنها و ذهن رفاقها فكرة بناء الحزب الثوري الشيوعي الماركسي – اللينيني في زمن مناهضة الإمبريالية و التحريفية العالمية.
كانت أفكار "أولرايك" أفكار جيل يساري ثوري أوروبي لجيل بأكمله، فقد عاشت في مرحلة، حيث كانت الإمبريالية العالمية تحاول تسويق ما تسميه بإنجازاتها الاقتصادية، وديموقراطيتها البرلمانية، وكان الحديث عما يسمى ب "المعجزة الألمانية". لقد كانت "أولرايك" صدى لهؤلاء الرجال و لهؤلاء النساء في برلين، في روما، في باريس ... الذين منذ سنوات الستينات و هم يشاركون في نضالات اليسار الثوري، إن انتقادها للعلاقات الاجتماعية الرأسمالية، كرهها للاضطهاد، تجريمها للحروب الاستعمارية و الإمبريالية، تضامنها مع حركات التحرر في بلدان "العالم الثالث"، رفضها الجذري للنظام القائم، جعل منها ثورية لا يشق لها غبار.

ظلت "أولرايك" وحدها في زنزانة مغلقة بإحكام، ذات جدران مصبوغة بالأبيض بدون نوافذ، لا وجود للضوء بصفة دائمة، لا يجاورها أحد، و لا يصلها أي صوت و لا أية رائحة، لقد قادها هذا النوع من التعامل إلى حافة الجنون، حتى يجد الجلاد مبررا لفعل الانتحار، و قد تعرض رفاقها لنفس المصير.
في 9 ماي 1976، وجدت "ماينهوف" مشنوقة في زنزانتها. لم تقدم "أولرايك" على الانتحار، بل تم اغتيالها في سجنها، وكذا حصل لرفاقها لاحقا من قياديي "فصيل الجيش الأحمر" أو "مجموعة بادر- ماينهوف" كما أسمتهم السلطات الألمانية، و التي أقدمت على تصفيتهم في السجون، مدعية انتحارهم الجماعي لدفن أفكارهم و شعبيتهم عند الشباب الألماني الثائر وقتها. لقد تحدثت السلطات عن انتحار "أولرايك"، لكنها منعت المحامين و أقاربها من رؤية جسدها و تفتيش الزنزانة و حضور عملية التشريح، لقد كان ادعاء السلطات فاضحا، و ما زال هناك إلى اليوم شك وغموض حول الظروف الحقيقية لهذه النهاية، و هل كان الفعل إراديا حقا أم لا! وتظهر المعلومات المتوفرة لحد الآن، أن العملية كانت جريمة نكراء وبدم بارد، اقترفها النظام الإمبريالي الألماني.