Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

فضل ماركس على النساء ـ كلارا زتكين

إحياء لليوم الأممي للمرأة، الذي أعلن موقع 8 مارس الثورية سابقا عن عزمه نشر ملف خاص بالمعلمة البروليتارية النسائية كلارا زتكين بعنوان: "كلارا زتكين سيدة 8 مارس الأولى". يفتتح الموقع هذا الملف، بعد بيانه الصادر يوم 8 مارس، بأول مقالة كتبتها كلارا زتكين بمناسبة الذكرى العشرين على وفاة معلم و قائد حركة البروليتارية الثورية و ملهم الحركة النسائية البروليتارية: كارل ماركس، الذي نخلد اليوم، 14 مارس، الذكرى المائة و الأربعة و ثلاثون سنة على رحيله.

مقالة كلارا زتكين تحمل عنوان "فضل ماركس على النساء"، ترجمتها عن الفرنسية جميلة صابر.

 

 

لقد عاد الرابع عشر من مارس للمرة العشرين، وهو يوم ذكرى وفاة ماركس في لندن.

كتب انجلز آنذاك، الذي كانت حياته مرتبطة بشكل حميمي بحياة ماركس إلى أحد أصدقائهما الرفيق سورج في نيويورك قائلا :

"لقد فقدت الإنسانية عقلا مفكرا، وهو الأهم فيما امتلكته من العقول لحد الآن".

لقد كان هذا الحكم في الصميم، حكما صحيحا، فقد شرح ما قدمه ماركس، رجل العلم والمناضل الثوري إلى البروليتاريا، وإن ما تمثله هذه الأخيرة بالنسبة إليه فليست مهمتنا في إطار هذا المقال.

سيكون من باب التكرار، وإعادة ما كتب في هذه الأيام في الصحافة الاشتراكية، حول الغنى الذي لا يمكن قياسه وعمق عمله النظري والعملي، وشخصيته القوية التي وضعت نفسها بشكل كامل، بدون تحفظ، بدون ترددات ولا مساومات، في خدمة البروليتاريا، وبالمقابل سنشير باختصار بشكل خاص، إلى فضله على الحركة النسائية البروليتارية، بل على الحركة النسائية بشكل عام.

طبعا فإن ماركس لم يهتم أبدا بالمسألة النسائية بماهي كذلك وفي حد ذاتها، ومع ذلك فإن مساهمته لا تعوض، إنها أساسية بشكل كلي في النضال الذي تقوده النساء لانتزاع حقوقهن.

إن المفهوم المادي التاريخي وحده قد سمح لنا بشكل واضح بتحديد نضال النساء في مجرى التطور التاريخي العام ورؤية الحدود والمبررات التاريخية، على ضوء العلاقات الاجتماعية العامة، ومعرفة القوى التي تحركها وتحملها، والأهداف التي تتبعها، والظروف التي تمكن وحدها من إيجاد الحلول للمشاكل المثارة.

مع المفهوم المادي للتاريخ، لم يزودنا ماركس بقواعد جاهزة حول المسألة النسائية، بل قدم لنا شيئا أهم من ذلك، فقد أعطانا منهجا صحيحا ومؤكدا، من أجل دراستها وفهمها.

إن الفكرة القديمة التي ترى أن وضعية المرأة داخل الأسرة والمجتمع كانت مسألة أبدية وثابتة لا تتحرك، وأنها نتاج قوانين أخلاقية أو تعاليم دينية، انهارت إلى الأبد.

لقد بدا واضحا كما هو الحال بالنسبة لكل المؤسسات الأخرى وأنماط وجود المجتمع، أن الأسرة كانت دائما خاضعة لصيرورة مستمرة وبموت مستمر وتتبدل هي أيضا مثلها، مع تبدل العلاقات الاقتصادية وأنظمة الملكية التي تشكل أساسها.

والحال أن تطور القوى المنتجة الاقتصادية هي محرك هذا التحول، وبهذا المعنى، فهو الذي يقلب نمط الإنتاج ويعمل على إدخاله في تناقض مع النظام الاقتصادي ونظام الملكية.

فعلى أساس هذه العلاقات والروابط الاقتصادية، التي تم قلبها بهذا الشكل، تتحقق إذن ثورة في فكر الرجال، التي تثير الرغبة في تحويل البنيات الفوقية الاجتماعية ومؤسساتها طبقا لتغييرات القاعدة الاقتصادية، والرغبة في إزالة ما هو جامد في أشكال الملكية وعلاقات السيطرة. إن الصراعات الطبقية هي الوسيلة، التي عبرها يتحقق هذا الطموح.

تعلمنا مقدمة انجلز لدراسته اللامعة حول "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" أن التطورات النظرية ووجهات النظر المعروضة في هذا الكتاب، تعتبر جزءا، في قسم كبير منها، من إرث ماركس، قام صديقه، هذا العبقري المنفذ الأمين لوصيته، بتدبيره بشكل أحسن.

إذا كان واجبا إزالة بعض الأجزاء من هذا الكتاب لأنها مجرد فرضية صرفة، فإن الكتاب في مجمله يزودنا بوفرة من الرؤى النظرية الواضحة حول الظروف المعقدة جدا، التي تطور في إطارها شيئا فشيئا الشكل الحالي للعائلة وللزواج، تحت تأثير العلاقات الاقتصادية وعلاقات الملكية. وهذه الرؤى لا تساعدنا فقط في تقدير صحيح لوضع المرأة في الماضي، بل شكلت على العكس، من ذلك القنطرة الأكثر صلابة، نحو فهم الوضعية الاجتماعية، والوضع القانوني والسياسي لجنس النساء في العصر الحالي.

أن تكون هناك قوى تاريخية لا تقاوم، تعمل داخل النظام الاجتماعي الحالي، بغية تثوير هذه الوضعية القانونية، لتحقيق مساواة المرأة في الحقوق، فهذا ما يستشف من كتاب "الرأسمال" بقوة إقناع كبيرة.

لقد برهن ماركس بشكل قاطع – خاصة في الفصول التي تعالج عمل النساء والأطفال - بتتبع خطوة بخطوة، وبشكل فيه تحكم في مادة الموضوع، تطور الإنتاج الرأسمالي حتى تفرعاته الأكثر دقة، بتحليل فتراته الأكثر غموضا، وعبر اكتشاف قوانين حركته في نظرية فائض القيمة، أن الرأسمالية تدمر أساس عمل المرأة في بيتها، ومن هنا تذويبها للأسرة التقليدية، وتقديمها للمرأة استقلالها الاقتصادي خارج الأسرة، وخالقة هكذا، أرضية صلبة لصالح المساواة في حقوقها كزوجة وأم ومواطنة.

إن قراءة كتب ماركس توضح أيضا نقطة أخرى وهي أن البروليتاريا، الطبقة الثورية، هي وحدها القادرة، بتأسيس النظام الاجتماعي الاشتراكي، على خلق، ومفروض فيها أن تخلق، المقدمات الاجتماعية الضرورية للحل النهائي للمسألة النسائية، أضف إلى ذلك أن حركة "منح المرأة حق الاقتراع" البورجوازية، لا تريد، ولا تستطيع انتزاع التحرر الاجتماعي للمرأة البروليتارية، وتظهر عاجزة عن حل الصراعات الجديدة والخطيرة، التي تظهر بالضرورة في النظام الرأسمالي، فيما يتعلق بالمساواة الاجتماعية والقانونية بين الجنسين. فهذه الصراعات لن تختفي إلا عند إزالة استغلال الإنسان للإنسان، ومعها التناقضات التي تؤدي إليها.

إن ما يعلمنا إياه كتاب الرأسمال، من حيث التحليل العلمي، فيما يتعلق بتدهور العائلة وأسباب ذلك، يلخصها كتاب "البيان الشيوعي" في عبارات قوية :

"لقد مزقت البورجوازية الحجاب العاطفي والتأثر الذي كان يغطي العلاقات العائلية واختزلتها إلى مجرد علاقات مالية.

إن علاقة البروليتاري بزوجته وأطفاله لم تعد لها إطلاقا علاقة بعلاقات العائلة البورجوازية .

كلما تمزقت، نتيجة للصناعة الكبيرة، جميع أواصر البروليتاري العائلية، وتحول الأطفال إلى مجرد سلع تجارية و أدوات عمل، كلما غدت الكلمات البورجوازية الجميلة عن العائلة والتربية، والعلاقات الحميمة التي تشد الآباء إلى الأبناء أكثر إثارة للتقزز".

لكن ماركس لا يفتح أعيننا فقط، بإفهامنا ما يعمل التطور التاريخي على تفتيته، بل إنه يلقننا أيضا قناعة منتصرة، وهي أن هذا التطور نفسه يبني شيئا جديدا وأرقى وأكثر اكتمالا :

"إن تفكك نظام العائلة القديم قد يظهر لنا فظيعا ومقرفا" نقرأ في كتاب الرأسمال، "إن الصناعة الكبرى بمنحها دورا حاسما للنساء والأطفال خارج دائرة البيت في عملية الإنتاج المنظم اجتماعيا، فإنها تخلق مع ذلك قاعدة اقتصادية جديدة لشكل أرقى للعائلة والعلاقات بين الجنسين".

بكل افتخار وسخرية، يعارض ماركس وانجلز في "البيان الشيوعي" المضمرات الخسيسة التي تثيرها هذه المثالية المنشودة والتوصيفات القاسية للظروف الحالية: "يرى البورجوازي في زوجته مجرد آلة إنتاج [...] لا شيء أدعى للضحك من ذعر بورجوازيينا الأخلاقي جدا أمام ما يزعم من إشاعة الشيوعيين للنساء [...] ولم يكتف بورجوازيونا بكون نساء البروليتاريين وبناتهم – هذا عدا البغاء الرسمي – تحت تصرفهم، بل وجدوا لذة لا مثيل لها في إغواء زوجات بعضهم البعض الشرعيات.

الزواج البورجوازي في حقيقته هو إشاعة النساء المتزوجات".

إذا كان ماركس، أحسن من غيره، قد ألقى ضوءا ساطعا حول الطريق المؤلم، الذي على جنس النساء قطعه، والذي يؤدي إلى الانتقال من العبودية الاجتماعية إلى الحرية، من إنسانية ضامرة، إلى تفتح شديد ومنسجم، فهذا لا يستنفذ، مع ذلك، إطلاقا أفكار ماركس حول الحركة النسائية.

بالتحليل العميق، وبعمق نظر للتناقضات العدائية الطبقية في المجتمع الحالي وجدورها، فقد كشف تناقضات المصالح التي تفصل نساء مختلف الطبقات.

في فضاء التصور المادي للتاريخ، تذوب، مثل فقاعات الصابون اللامعة إعلاانات الحب هذه، حيث يتم الحديث عن "أخواتنا"، كما لو أن رابطا ما يوحد السيدات البورجوازيات والبروليتاريات.

لقد صهر ماركس السيف – وعلمنا كيفية استعماله- الذي حسم الروابط بين الحركة النسائية البروليتارية والبورجوازية، ولكنه صهر أيضا الرابط الذي يوحد الأولى(أي الحركة النسائية البروليتارية) بشكل لا انفصام فيه بحركة العامل الاشتراكي وبصراع الطبقات الثوري للبروليتاريا.

في كتاب "الرأسمال" تتراكم وفرة من الوقائع والأفكار والاقتراحات حول مسالة العمل النسائي، حول وضعية العاملات وحول مبررات الحماية القانونية ألخ...إنها ترسانة فكرية لا تنضب لنضالنا، و لمطالبنا العاجلة وأيضا لهدفنا الاشتراكي النبيل.

يعلمنا ماركس أن نقدر بشكل صحيح المهام الصغيرة، وفي كثير من الأحيان الصغيرة جدا لكل يوم، والتي تشكل ضرورة حادة بشكل دقيق، من أجل رفع مستوى النشاط النضالي للنساء البروليتاريات، لكنه يقترح علينا أيضا نظرة شاملة للنضال الثوري الكبير، من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية من طرف البروليتاريا، وإلا سيظل المجتمع الاشتراكي وتحرر الجنس النسائي أحلاما براقة، وعلى الخصوص فهو يغمرنا بالقناعة التي تقول، أنه وحده هذا الهدف ما يعطي لعمل كل يوم قيمته ومعناه ...

وهكذا يمنعنا من ألا يغيب عن نظرنا، في غمرة الظواهر الفردية، وتحت غطاء المهام والنجاحات، فهم الطبيعة العميقة لحركتنا، وفي غمرة تعبنا المرهق للعمل اليومي، الأفق الواسع للتاريخ الذي ينبلج فيه فجر أزمنة جديدة.

كمعلم للفكر الثوري، سيظل ماركس مرشدنا في النضال الثوري وللحركة النسائية البروليتارية، إنه واجب، وعنوان مجد المساهمة في هذا النضال.

كلارا زتكين

المقالة عن اللغة الفرنسية: جميلة صابر

 

11 ــــ 03 ــــ2017

 

Les commentaires sont fermés.