Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

مسار امرأة صينية ثائرة: جيانغ جينغ (الحلقة الأولى)ـ

الحلقة الأولى

مقدمة

من أجل إدراك الدور الذي قامت به جيانغ جينغ، القائدة الشيوعية الماركسية-اللينينية الوفية للثورة الصينية حتى آخر رمق في حياتها، هاته الحياة التي وهبتها كلها للثورة من أجل بناء صين جديدة، صين خالية من الاستغلال و الاستبداد و الاضطهاد، و المناضلة الثورية، التي رأت أن الاشتراكية كنظام اقتصادي و اجتماعي التي تم بناؤها في بلاد شبه اقطاعية شبه استعمارية مثل الصين، لا يمكن أن تغير حياة الصينيين بدون إحداث ثورة في البنية الفوقية، في العقليات و خلق ثقافة جديدة تتماشى مع الوضع الجديد للصين، ثقافة تعكس الأسس المادية للبناء الاشتراكي.

من أجل كل هذا، ولمواقفها الثورية الجذرية، ولمدة 15 سنة كانت جيانغ جينغ سجينة لدى التحريفيين، اللذين انقضوا على السلطة سنة 1976 مباشرة بعد موت ماو تسي تونغ في شتنبر1976.

لقد ناضلت جيانغ جينغ بصرامة طيلة حياتها النضالية ضد القوى التي أرادت الإبقاء عليها غير مرئية وصامتة، أي كامرأة ظل لماو، داخل الحزب الشيوعي وخارجه، وانتهت حياتها في السجن، وبعد إصابتها بالسرطان في 14 ماي 1991 بين أعدائها الملطخة بالدماء، وادعت السلطات التحريفية كما عادة كل الأنظمة الرجعية بأنها انتحرت في محاولة لتبخيس المناضلة الثورية التي كانتها وللتقليل من أهمية كل العطاءات التي منحتها للثورة، أي القيام بعملية محو مخزية لا يليق بفعلها سوى التحريفيون.

بالنسبة لأولئك الذين يحلمون بالثورة، بل أكثر من ذلك، أولئك الذين يقدرون على القيام بها، فإن جيانغ جينغ تظل نموذجا للشجاعة، بنضالها الذي لا ينقطع ضد العادات القديمة والأفكار الرجعية والمحافظة.

فمن أجل زرع أفكار جديدة عبر المنعطفات والتقلبات الدامية أحيانا، التي سمحت بخلق نظام جديد، بإخلاصها لقضية الشيوعية – لقضية ماو – فقد كانت طيلة حياتها قادرة على تقديم إسهامات هامة للتربية ولفهم الثورة البروليتارية.

لقد دافعت بكل جوارحها عن حق الجماهير في زعزعة السماوات، وتحدي التقاليد في كل مناحي الحياة، لقد ناضلت من أجل تحويل العالم من الأسفل إلى الأعلى لكنس الطبقات، و كل أشكال اللامساواة الاجتماعية، الشيء الذي خلق لها صراعات مع أولئك الذين وقفوا ضد هذه الرؤية الطموحة التي علمها لها ماو.

لقد كانت الماركسية – اللينينية دائما، وإسهامات ماو في قلب الإيديولوجيا التي كانت دائما تدافع عنها.

وبالرغم من أنها لم تتح لها فرصة لعب دور علني في الحياة السياسية قبل سنوات الستينات، فقد كانت في سنوات حصارها من طرف الأعداء من داخل الحزب أكثر من خارجه، قد تهيأت للأدوار العظيمة التي ستقوم بها فيما بعد، من خلال الأبحاث والتحقيقات التي اضطلعت بها في الميدان الثقافي، خاصة في ميدان الفنون، وفي ميادين أخرى مثل الإصلاح الزراعي. وفي الصراعات الداخلية التي كانت تهز الحزب زمن "القفزة الكبرى إلى الأمام" وبعدها، ساعدت بكل همة ماو والعناصر الثورية، في إطلاق الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى.

لقد غاصت هذه البروليتارية اللامعة، التي لا تلين لها قناة، بسرعة وحيوية قل نظيرها في قلب النضال ومعمعانه، كلما تطلبته الأوقات المضطربة للثورة الثقافية، فقد ضخت فيها طاقة سياسية هائلة وتحملت فيها القيادة في جزء كبير منها، مساندة الشباب المتمرد ومانحة بسخاء نصائح عملية للشعب، الذي يناضل من أجل الخروج من الدروب المطروقة وأخذ طريق التجديد، طريق الاشتراكية.

كان نضال جيانغ جينغ ضد التحريفيين – الذين كانوا أغلبية – في المجالات الهامة للثقافة وللتربية، هو الذي رسم الطريق للإطاحة بهم خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى، كما تركت بصمتها أيضا في تثوير الفنون، وناضلت من أجل تقدم النساء، بإزالة بعض العقبات، كما قدمت المثال عن النموذج الحي للتحرر.

كقيادية بارزة في الحزب الشيوعي الصيني خلال العشر سنوات الأخيرة للسلطة البروليتارية، انخرطت جيانغ جينغ بكل نشاط في الصراع الطبقي الشرس داخل الحزب، مقاتلة بلا كلل، من أجل تعزيز الطابع البروليتاري الثوري، و الخط الصحيح للحزب، تحت قيادة ماو، من أجل الدفاع عن تقدم الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و تقويتها، و قد كانت الأجنحة التحريفية آنذاك داخل الحزب الشيوعي الصيني تأمل تحطيم الخط الثوري لماو، مستغلة كل منعطف في الصراع، وإعادة تنظيم جديدة داخل الحزب لكي تحاول إرجاع الرأسمالية و السير بالصين في الطريق الاشتراكي الامبريالي الفاشي.

إن هذا وغيره كثير وعظيم من المسار الذي سارت فيه جيانغ جينغ قبل أن يؤدي إعدامها إلى وقفه، من طرف أولئك الذين ظلت المرأة شوكة في حلقهم، الثورية المزعجة للتحريفيين، البروليتارية التي استماتت في الدفاع عن أفكارها إلى أبعد مدى.

فما السياق التاريخي لنشأة جيانغ جيينغ؟ ما هي الإنجازات التي حققتها للصين وللثورة الصينية؟ هذا ما ستحاول هذه الحلقة إبراز بعضا من عناصره.

1) جيانغ جينغ: الولادة والنشأة

ولدت جيانغ جينغ في 19 مارس 1914 في مقاطعة شانتونغ في منطقة كانت تحت مراقبة الألمان، في إطار تقسيم الكعكة الصينية بين الدول الامبريالية المتنافسة حول المستعمرات، وخلال الحرب العالمية الأولى احتلتها اليابان واستعملتها كطريق نحو أطماعها في الصين.

من أسرة حرفيين فقراء، إذ كان والدها صانع عجلات يرمي جام غضبه، لكونه فقير، على زوجته وأطفاله، يعنفهم بكل قسوة إلى أن قامت زوجته في نهاية المطاف بهجرانه للعمل كخادمة عند أحد الملاكين العقاريين.

هجرت جيانغ جينغ البيت مع والدتها لتستقر عند جدتها في خونان، لكن في سنة 1928 تركتها أمها وعمرها لا يتعدى 14 سنة.

لقد ولدت جيانغ في صين شبه إقطاعية، في ظل نظام باترياركي إقطاعي، حيث كانت المرأة مجردة من كل الحقوق، وتعيش خارج أية حياة سياسية واجتماعية، عاشت في مجتمع كانت فيه المرأة سبة وعار، مجتمع مثقل بالعادات والتقاليد، وكانت مجبرة كقريناتها من الطفلات على تضميد القدمين لمنع نموهما، حتى أنه بحكم تفشي هذه العادة أطلق على نساء الصين "النساء ذوات القدمين المضمدة".

في سنة 1911، أي ثلاث سنوات قبل أن ترى جيانغ جينغ النور، بدأت بوادر التغيير تصل إلى الصين، ففي هذه السنة عرفت الصين واحدة من ثوراتها، التي أطلقت حملة نسائية، هدفها تحقيق المساواة بين الرجال و النساء، لكن هذه الثورة ذات الطبيعة البورجوازية لم تستطع تغيير الوضع البئيس للمرأة الصينية، التي عانت قرونا من الاضطهاد و الاستعباد، لكن ستهب رياح جديدة على بلاد الصين، عندما تأسس الحزب الشيوعي الصيني، على يد مجموعة من المناضلين كان من بينهم القائد الثوري ماو تسي تونغ، الذي وضع كأحد أهدافه تحقيق تحرر المرأة و المساواة بين الرجال و النساء، لذلك، و خدمة لهذا الهدف أطلق ماو تسي تونغ الشعار الشهير : "إن النساء نصف السماء و عليهن انتزاع النصف الآخر" هذا الشعار الذي ستتلقفه جيانغ جينغ و ستحرص على أن يلازمها على طول مسارها النضالي و الحياتي.

تتذكر جيانغ جينغ كيف أنها عانت من الجوع مرارا، فقد ترعرعت في عصر كانت فيه البربرية الامبريالية تجوع الصين، في زمن، كما قال ماو:

"كانت الأشجار عارية مثل الشعب، حيث الشعب كان يأكل الأوراق، وفي ظروف الاضطهاد الإقطاعي، التي كانت فيها الفلاحات يتمنين أن يتحولن إلى كلاب لكي يكن أقل بؤسا" (في إحدى المقابلات مع ماو).

لكن هذه النشأة البئيسة لم تؤثر على الفتاة، وانخرطت سنة 1929 في أكاديمية الفنون الدرامية، وقد تزوجت في السنة الموالية وعمرها لا يتعدى 16 سنة، لكن سرعان ما انتهى هذا الزواج بالطلاق في هذه السن الصغيرة سنة 1933.

رغم الجوع الذي عانت منه جيانغ جينغ مرارا، ورغم الظروف التي عاشتها في طفولتها، فقد كانت تعتبر نفسها محظوظة، لأنها استطاعت الذهاب إلى المدرسة. وتحكي جيانغ في إحدى المقابلات، كيف أن المادة التي كانت تكرهها أشد الكره في المدرسة الابتدائية هي الدرس حول أفكار كونفوشيوس، أي كيف يجب الخضوع للسلطات، وأنها كانت تتعرض للضرب بسبب شرود ذهنها، وتتذكر في كثير من الأحيان غثيانها ورعبها كطفلة، من رؤية الفلاحين "المذنبين" تقطع رؤوسهم وتعلق في العمود، وإعدام أولئك الذين يسرقون الطعام، حيث كانت أصواتهم تقري الأسماع، وبالتالي، فإن كل ما عانته جيانغ جينغ في طفولتها داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع جعلها متمردة ومشروع ثورية لا يهادن.

في حقيقة الأمر، فإن سنوات التعليم الرسمي في حياتها الدراسية كانت قصيرة، ولم تتعد ثماني سنوات، منها خمس سنوات في المدرسة الابتدائية، وإن كانت تحضر مرارا للدروس الجامعية التي تهمها. وكما عبرت عن ذلك بلسانها، تقول جيانغ جينغ أنها تعلمت أكثر في مدرسة أهم وذات التأثير الأكبر، ألا وهي مدرسة المجتمع، مدرسة التجربة التي تبدأ بالنسبة لها مع سنة 1933، عندما قدمت طلبا وتم قبولها في الحزب الشيوعي الصيني، الذي كان ما زال في السرية، ففي سنوات الثلاثينات المضطربة، تبين لها أن القيام بالثورة كان أهم جدا من كتابة الشعر. ومع ذلك، فقد فهمت جيانغ جينغ صعوبات أن تكون عضوا نشيطا في الحزب، عندما تم إرسالها إلى شنغهاي للقيام بعمل في خريف 1933، فقد كان الحزب تحت وصاية وانغ مينغ الخصم السياسي الرئيسي لماو، حيث كانت قد حلت بشكل يكاد يكون تاما الانتهازية وأصبحت هي سيدة الموقف.

2) جيانج جينغ عاشقة الفن، الشغوفة بالمسرح:

بدأت جيانغ جينغ تهتم بالمسرح، عندما درسته في سن 15 في مدرسة تجريبية للفن التراجيدي تشرف عليها الحكومة، ولم يقبل طلبها إلا عندما آنست المدرسة نقصا في المرشحين من الإناث، لكن ما لبثت المدرسة أن تعرضت للإغلاق، فانتقلت جيانغ مع أساتذة المدرسة وتلاميذها إلى مدينة بكين كعضوة في فرقة مسرحية متجولة.

اعتبرت جيانغ جيينغ المجال الفني مدخلا من المداخل الأساسية لتوعية الجماهير الشعبية، ونشر الفكر الثوري في صفوفها، وقد خاضت صراعا ضاريا ضد الرجعيين وضد التحريفيين لجعل الفن والأدب في خدمة الشعب والشعب في خدمة الفن.

شكلت جيانغ مع أصدقائها "المؤسسة المسرحية للساحل" التي كانت تذهب إلى البوادي لتلعب قطعا مسرحية ضد اليابان، وجعل الكومونات السوفياتية التي أقامها الجيش الأحمر الصيني أكثر شعبية.

لقد اكتشف الممثلون درجة الفقر في البوادي، التي لم يشاهدوا مثلها في المدن وتيقنوا بكل وضوح أن الجدل الفاصل بين أهداف الكيومنتانغ الوطني والحزب الشيوعي أبعد من أن تكون مسألة أكاديمية.

أصبحت جيانغ ممثلة مسرحية، وكانت تلعب مسرحيات في عدد من المصانع التقدمية، تنادي الشعب من خلالها إلى الدفاع عن الصين ضد اليابان.

وكممثلة مسرحية، قامت جيانغ جينغ في مسرحياتها بأدوار تعالج الكثير من القضايا الاجتماعية، ولم يكن من الأمر السهل بالنسبة لها، وهي تعيش في مجتمع إقطاعي باترياركي يحتقر المرأة ويستعبدها، أن تمارس مهنتها كممثلة مسرحية بالشكل الذي تريده، وتريد بواسطته تغيير المجتمع الصيني والعقلية الذكورية الملازمة لهذا المجتمع، وفي مسرحياتها، وكممثلة مسرحية كانت تعالج الكثير من القضايا الاجتماعية مثل واقع العمال في المصانع الاستعمارية، والقضايا السياسية، منها الدعوة لمقاومة الاحتلال الياباني. خلال هذه الفترة (ابتداء من 1933) التقت الممثلة جيانغ جينغ أعضاء الحزب الشيوعي، وستلتحق في ينان بالقاعدة الشيوعية الحمراء التي بناها الحزب هناك، وابتداء من هذه السنة سيكون انطلاق الحياة المهنية لجيانغ جينغ كممثلة، وستتزوج أحد النقاد السينمائيين، الذي ستغادره بعد سنوات قليلة من الزواج سنة 1937، فالفتاة المتمردة على المألوف، التي كانته جيانغ بل الثورية العنيدة، جعلها لا تستطيع الاستمرار في كل ما يمكن أن يضعها في قالب مغلق، فالبحث عن الحرية عندها لم يكن ليتوقف.

و بهذا يتبين أنه لا يمكن أن يستقيم الحديث عن جيانغ و المؤثرات التي كانت بالغة في حياتها دون الوقوف عند ميدان الفن الذي تولعت به أشد الولع و الذي كان عشقها الأول، و خاصة الفن المسرحي، فقد أسست فرقة مسرحية كانت تقوم بجولات عبر ربوع الصين، و عبر هذا المسرح المتنقل عاينت جيانغ جينغ، و وقفت عن كثب على واقع الصين، و خاصة ريفه، حيث أن 90% من السكان هم فلاحون فقراء، لكن جيانغ جينغ ستنتقل من امرأة تهتم بالفن كوسيلة للتعبير إلى ثورية تنخرط في الحزب الشيوعي الصيني، و أن هذا الفن سيستمر عندها كسلاح للتعبير لكن بروح شيوعية ثورية.

بالإضافة إلى المسرح جربت جيانغ التمثيل في السينما، فقد لعبت العديد من الأدوار في السينما لتتمكن من العيش بالأساس، وبالإضافة إلى أنها أدركت أن هذه الصناعة لا تزال تهيمن عليها هوليود بالكامل باستثناء بعض الأفلام، فقد أدركت أيضا، أنه، أن تكوني ممثلة سينمائية في عقد الثلاثينات في شنغهاي، معناه التصادم مع التقاليد في كل جبهة، فقد كانت مهنة محتقرة، وأولئك اللواتي يمارسنها يعتبرن نساء منحلات، ذوات أفكار، تعد راديكالية من الناحية الاجتماعية. لقد كانت الممثلات هدفا للاضطهاد الشخصي، الذي كان يهدف إلى تطهير هؤلاء "الضحايا من غرائزهن"، وقد أدى هذا التحرش بأكثر من واحدة إلى الانتحار.

كان الكاتب الثوري الشهير لوسن، الذي كان له تأثير كبير جدا في ذلك الوقت، والذي تعاطف مع الشيوعيين، واحدا من مرشدي جيانغ جينغ، وقد كتب عن ذلك، وعن تحرير المرأة بشكل عام في العديد من المقالات، بما في ذلك كتاب بعنوان "النميمة أمر مخيف" الذي يعالج المعاملة غير العادلة المفروضة على النساء في مجالات الترفيه، والهجمات الصحفية ضد النساء.

جميلة صابر

22 – 11 – 2018

 

Les commentaires sont fermés.