Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

مسار امرأة صينية ثائرة : جيانغ جينغ (الحلقة الرابعة)ـ

الحلقة الرابعة

جيانغ جينغ : زارعة بذور الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى

 

1) صراع بلا هوادة ضد المثقفين البورجوازيين

استخدمت جيانغ جينغ النقاهة الطويلة التي مرت بها في أعقاب أمراض خطيرة ألمت بها، لقراءة الكثير مهتمة بمجموعة متنوعة من المواضيع.

لقد ركزت على النضال السياسي الذي اعتبرته مركزيا "بين طبقة العدو و أنفسنا" على حد تعبيرها، و أصبحت منخرطة في قراءة الكتب و المقالات الجديدة، و اختيار المقاطع الأكثر أهمية للفت انتباه ماو، و إعطاء رأيها الخاص حول القضايا الرئيسية، و كانت على الخصوص تتحمل مسؤولية التحقيق في المشاكل الدولية.

خلال شتاء 1953، بينما كان رفيقها ماو في سريره طريح الفراش، كانت تخبره بالأحداث من خلال قراءة الصحف والبرقيات. في سنة 1954، قرأت مقالا كتبه طالبان ، انتقدا النهج البورجوازي لأستاذ، خبير مزيف للرواية التاريخية للقرن ال18، و الذي قام، من بين أمور أخرى بإجراء دراسة حول كتاب "حلم الغرف الحمراء"، و أظهرت نقد الطلاب هذا إلى ماو، و طلب منها أن يتم طبعه من قبل صحيفة الشعب اليومية، و سرعان ما أدركت ما كانت عليه الصحف الأدبية المؤثرة، فقد رفضت يومية الشعب نشر المقال، لأن الذين كتبوه لم يكونوا جزءا من دائرة المؤلفين المرموقين، و بالتالي لا يستحقون امتياز خلخلة التصورات المسبقة، و قد عرف المقال نفس الاستقبال من قبل إدارة الدعاية التابعة للجنة المركزية، فأصدر ماو بيانا يشيد فيه بالمقال باعتباره يشكل "أول هجوم خطير خلال 30 عاما" ضد خبراء الرواية المزيفين .

كانت جيانغ جينغ بالفعل قد أزعجت عش دبابير، بمهاجمة عدد آخر من المؤلفات، التي كتبت في مدح الإقطاع و الطبقة البورجوازية القديمة، و جلب كل ذلك انتباه ماو.

كان واحدا من هذه الأعمال، فيلم "في ملعب جنيغ"، الذي كان موضوعه عن ثورة البوكسر سنة 1900، و يصور الفلاحين كجاهلين و بربريين، في حين أنه يمجد امبراطور الماندشو، أي الارستقراطية اللبرالية كما يزعمون، و اعترضت جيانغ جينغ على عرض الفيلم، و استنكرت الترويج "الوطني" الذي نظمه لي شا وشي و غيره ممن يحيطون به.

عندما شاهد ماو الفيلم وصفه بأنه خيانة وطنية، في زمن حركة الإصلاح الزراعي. و قد كشفت جيانغ عن تعزيز التطلعات البورجوازية في فيلم ووهسون، الذي خرج للعرض في الشاشات سنة 1950، فقد كان فيه التبشير بالتحرير و النجاح الاجتماعي عن طريق التعليم، و بعض الرضا عن النفس تجاه الوجهاء الإقطاعيين: كان يشاهد فيه "ووهسون" كرجل فقير يقتصد كل قرش للحصول على فوائد من الملاكين العقاريين المرابين على رأسماله الصغير، حتى اليوم الذي يتمكن فيه من شراء أرض لبناء مدرسة و توفير تعليم مجاني للأطفال الفقراء.

عندما قال شو يانغ، نائب وزير الثقافة، أنه يمكن جيدا، في الفن تحمل القليل من الإصلاحية، صفقت جيانغ الباب غضبا واستياءا قائلة: "إذن امضوا قدما في إصلاحيتكم". و على الرغم من أن ماو كان يعتقد أنها كانت تهدر وقتها، إلا أنها انكبت لمدة ثمانية أشهر على إنجاز تحقيق حول حياة و أسطورة ووهسون، لقد كانت تريد ان تكون قادرة على إطلاق نقد يرقى إلى مستوى العلم، من أجل تقويض أركان المدافعين عن المقاربة البورجوازية في الفنون (إنها البذور الأولى التي تزرعها جيانغ لما سيعرف لاحقا بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى الصينية، و هي المؤشرات الأولى عن ما سوف تواجهه جيانغ من عداء تجاه كل مبادراتها و انخراطها في هذه الثورة، بل و قيادتها).

حاول تشويانغ منذ البداية منع جيانغ جينغ من مباشرة مشروعها، وعندما لاح أنه سيفشل مع امرأة ثورية عنيدة ومصممة، عين لها سكرتيرة لاحقا، على أمل تخريب عملها في مقاطعة شانتونغ، حيث كانت أسطورة ووهسون تحظى بشعبية كبيرة، و يبدو أن سيد المكان كان يروج ل ووهسن كنموذج للفلاحين يحتذى به.

أثناء التعمق في ماضي هذه الشخصية، وقد علمت قليلا عن أصله الطبقي، دعت ناس المنطقة إلى إزالة الغموض عن شخصية ووهسون الشهيرة. و قد اتضح أنه لم يكن مجرد سيد له عدة عشيقات، بل إنه كان مكلفا بمحاربة انتفاضات الفلاحين، التي كانت منتشرة جدا في ذلك الوقت في غرب شانتونغ.

أرسلت جيانغ جينغ تقارير إلى مدير صحيفة الشعب اليومية، التي بدأت في نشر نتائج أبحاثها، لكن الفصائل الأخرى أيضا "ذهبت إلى المصادر" لكي تعبر عن نفسها، و في سنة 1951، أخذ الجدل حول نموذج ووهسون نطاقا واسعا لنقاش اجتماعي حقيقي.

رأى ماو أنه من المناسب كتابة افتتاحية لصحيفة الشعب اليومية، استنادا إلى وثائق جيانغ جينغ، مؤكدا على "درجة الغموض الإيديولوجي المبثوت في الأوساط الثقافية لبلدنا".

وفقا لعدة مؤلفين، فإنه لم يحدث أن استبدل التاريخ القديم بالجديد، بالإصرار بكل جهد من أجل منع اختفاء المتداعي، ليس عن طريق الصراع الطبقي، الذي يهدف إلى إسقاط الطغاة الإقطاعيين الرجعيين، و لكن بإنكار الصراع الطبقي للمضطهدين و إخضاعهم لهؤلاء الطغاة، على طريقة "ووهسون"، و قد طلب ماو التعليق على الفيلم و المناقشات حول المقالات عن قصة ووهسون. و على الرغم من أن جيانغ جينغ ما زالت غير معروفة لدى الجمهور، إلا أنها كانت منخرطة جدا في المناقشات التي كانت تدور في الأوساط الثقافية، التي كان يسيطر عليها المثقفون البورجوازيون بالكامل، اللذين كانوا مدعومين من قبل كبار الأعضاء التحريفيين وسط الحزب.

في الوقت الذي كان فيه شويانغ يلمح إلى أن جيانغ جينغ كان تغضب الكتاب و الفنانين، كان في ذهنها انشغالات أخرى، فقد كان الفلاحون يقدمون جهدا ثوريا جبارا لتحويل الزراعة و العلاقات الاجتماعية في الريف، و مع ذلك، لم تكن لهم فرصة لمشاهدة فيلم واحد أو مسرحية في السنة تهمهم، فهل المواضيع المعالجة، عليها أن تناقش الأباطرة و الامبراطورات، المتلألئين، و الوجهاء المتعجرفين يعدون المال، أو ينبغي بالأحرى تسليط الضوء على أبطال جدد، يعني جماهير العمال، اللذين يضحون بحياتهم من أجل تغيير المجتمع؟

لقد رفضت جيانغ إسكات الجدال، ولأنها قوية بتحليل ماو – الذي كان خارج المسارات المطروقة – حول الفن و علاقته بالسياسة، فقد ساهمت في الأربعينات في كسر السلام المنتشر في بعض الأوساط المقدسة، التي لم تكن تقريبا أبدا موضوع تساؤل، و ظلت متأثرة قليلا بالثورة.

لقد استخدمت جيانغ جيينغ هذا الجدل، لإلقاء الضوء على التفكير المتصلب لبعض الكتاب و الفنانين، اللذين يتشبتون بمعايير الماضي. و برفقة ماو شجعت الموهوبين المجهولين على تحدي السلطات الرسمية، و خلق طرق لتعزيز الإديولوجية البروليتارية و الأبطال الثوريين.

إن هذه المشاهد العاصفة في عالم الثقافة، التي سبقت عقدا من الزمن عواصف ربيع الثورة الثقافية شجعت عليها حملة "دع مائة زهرة تتفتح، مائة مدرسة تتنافس" التي أطلقها ماو سنة 1957، و قد كانت هذه المبادرة تهدف إلى طرح النقاش بجدية في البنية الإيديولوجية للمجتمع.

لقد أكد ماو قائلا: "لا شك أنه يجب علينا أن نضع تحت النقد جميع أنواع الأفكار الخاطئة، و كل خطأ هو موضوع نقد، كل عشب سام تجب مقاومته..

بالتأكيد ستستمر هاتان الطبقتان (البورجوازية و البورجوازية الصغيرة) في التشبث و تأكيد أنفسهما بكل الوسائل، في المسائل السياسية و الإيديولوجية، و من المستحيل أن يكونا غير ذلك. يجب ألا نلجأ إلى أساليب قمعية لمنعهم من التعبير عن أنفسهم، يجب أن نسمح لهم بالقيام بذلك، و في نفس الوقت الدخول في مناظرة معهم و انتقاد أفكارهم بشكل مناسب".

2−جيانغ جينغ و الهجوم على البنية الفوقية الرجعية و المدافعين عنها

في اواخر الخمسينات، ازداد الصراع السياسي داخل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشكل دراماتيكي، فقد أصبح الطريقان أكثر وضوحا و تميزا، فإما المضي قدما في التحول الاشتراكي للاقتصاد و البنية الفوقية للمجتمع، أو التوقف و الراحة مثلما يرغب المحاربون القدامى في إعاقة السيرورة في مرحلتها الديموقراطية البورجوازية و تطوير الرأسمالية. إن دعوة خروتشوف إلى "الغولاش"(عودة إلى قوانين الرأسمالية عبر لبرلة تدريجية) بدلا من الشيوعية عززت ثانية خطر عودة الرأسمالية إلى الصين.

أثناء عقد الاجتماعات العاصفة للمكتب السياسي في لوشان سنة 1959، كتب ماو إلى جيانغ جينغ، إذ أرسل إليها ردا موجها إلى وزير الدفاع بينغ تيه هوا، الذي عارض الانتقال السريع إلى الاشتراكية، و كان بينغ على وشك الإطاحة به، بعد ان أصبح ممثلا للخط الذي كان يعمل في اللجنة المركزية لتشكيل جيش حديث مثل جيش الاتحاد السوفياتي بدلا من إنشاء ميليشيات شعبية.

باسم الترويج للصناعة الثقيلة و التوجه الموالي للجيش، فإن الخط الذي دافع عنه بينغ، عارض تحول الزراعة إلى تعاونيات كما اقترحت حملة "القفزة الكبرى إلى الأمام".

على الرغم من أن ماو حاول منع جيانغ، محذرا إياها من أن النضال المكثف، الذي كانت تخوضه قد يؤثر على صحتها الهشة، فقد كانت تصر على مرافقته إلى الاجتماعات، من أجل فهم الوضع على نحو تام.

في اوائل الستينات، ركز الصراع على كيفية تقييم "القفزة الكبرى إلى الأمام" و تطور الشيوعية بشكل عام.

كشف ليو شاو شي، خصم ماو، و الممثل للقيادة الرأسمالية في الجهاز الحاكم لعبته اكثر، فقد طالب بمبالغ مالية طائلة لتشجيع الإنتاج الزراعي، داعيا إلى توسيع الأراضي الخاصة و تطوير الأسواق الريفية (الرأسمالية) و هلم جرا، و بدون بعض من المصادفة، بدأ ليو شاو شي القيام بزيارات لمزار كونفوشيوس، وعلى الرغم من أن ماو و المعسكر البروليتاري يسيطر بالكامل على الحزب، فإن القوى البورجوازية، التي تركزت بشكل متزايد في الهيئات الإدارية، أكدت قوتها، وسعت إلى التأثير على الرأي العام للاستيلاء على السلطة. لقد سيطر هؤلاء التباع التحريفيين على مجالات التعليم و الفنون، المجالات الرئيسية لتعزيز أيديولوجيتهم و التأثير على الجماهير، و قد أعد اليسار هجوما مضادا، و بدأ في إنشاء حركته الخاصة لإخبار الرأي العام، في هجوم كبير ضد البورجوازية التي قوضت الحزب .

هكذا دخلت جيانغ جينغ الساحة السياسية إلى جانب ماو، و بدأت تنشر مقالات في الصحف موجهة للنساء و الشباب، و استأنفت عملها الجماهيري سنة 1963"، كعضو في حركة التعليم الاشتراكي، و هي مبادرة من ماو، من أجل التصدي لرد الفعل و الممارسات و الإيديولوجية البورجوازية، و قد كانت هذه المعركة مقدمة للثورة الثقافية التي ستشهدها البلاد فيما بعد.

وفي سياق ذلك، طلب ماو من الأطر و الفنانين و الكتاب في المدينة للذهاب إلى الريف لتعليم الجماهير.

في سنة 1962، في الجلسة العامة العاشرة للاجتماع الثامن للجنة المركزية، تم إقرار، بعد الكثير من المعارضة، بأمر يسمح لجيانغ جينغ بمواجهة السيطرة التحريفية على لجنة بلدية بيكين، التي يرأسها عمدة هذه المدينة و عضو المكتب السياسي بينغ تشن (الذي منه جاء مفهوم السياسة الوطنية للثقافة). كان أعضاء هذه اللجنة يراقبون القسم الأعظم من الصحافة الصينية، و كذلك الوسط المسرحي و الأدبي في الصين، لقد كانت مدرستهم الفكرية، المؤثرة جدا في الأوساط الفكرية، معارضة تماما لمذهب ماو، الذي دعا إلى ثورة عميقة في المجتمع، بينما من جهة التحريفيين، فقد كانوا متشبتين بالحفاظ على احتكارهم الإيديولوجي للثقافة، ففي وسطهم، وجد الكتاب البورجوازيون مثل ووهان الملجأ الحاضن.

كان هذا الكاتب المسرحي، مؤلف مسرحية هاي جوي من زمرة تحريفيي بلدية بكين، ومسرحيته نشرت في سنة 1961، و كانت احتجاجا ونقدا غير مباشر لقرار ماو بإقالة دنغ ته هوي وزير الدفاع حتى سنة 1959 واحد قادة الخط التحريفي، وامبراطور سلالة مينغ يرمز إلى ماو، بينما الموظف الذي تم عزله من طرف الإمبراطور يرمز إلى دنغ ته هوي.

لقد كان أعضاء لجنة بكين أيضا، من رعاة العمود الصحفي : "ثلاث عائلات قروية"، حيث كانوا يهاجمون ماو وخط ماو بطريقة ساخرة.

من ناحية أخرى، إذا كان الثوريون، قد تعرضوا بالنقد للكتابات و الإنتاجات المسرحية، التي تحظى برعاية هذه البورجوازية الجديدة، التي تعمل بنشاط من أجل التأثير على الحياة الفكرية و الثقافية بشكل عام، مع تحيزها السافرللحفاظ على الطبقات الاجتماعية ، فإن ملاحظاتهم كان ينظر إليها في الحين بعدم المصداقية عن طريق نقد ذاتي مثير للضحك، أو عن طريق مقالات مضادة تصر على النقاط الثانوية، و قد تفاقمت هذه المعضلة، فقد أصبح اليسارعاجزا عن نشر نصوصه، و كان عليه الاعتماد بقسط ما على الجيش الذي كان تحت قيادة لين بياو. بعد ذلك بقليل، في أواخر 1966، وصل الأمر حدا لم يستطع ماومعه أن يقاوم وصف وزارة الدعاية المركزية بأنها "قصر أمير الجحيم": "يجب الإطاحة به! إن الطغاة لهم مصلحة في إبقاء الناس في الجهل، بينما من واجبنا أن نفتح أعينهم".

لقد حاولت جيانغ جينغ عبثا نشر مقالات نقدية لمسرحية هاي جوي التي كتبها هونان، (هذا الأخيرابعده اصدقاؤه التحريفيون من بلدية بكين بعدما بدأت الضجة تكبر حول مسرحيته)، لكن في نوبة من الغضب حاصرت الزمرة المحلية تلك المقالات نظرا لتحكمها في وسائل الدعاية والنشر والاعلام.

وأخيرا ظهر ياووين−يوان، أحد الرفاق والكتاب الثوريين الشباب، كان يعمل تحت إشراف جيانغ جينغ و ماو، كتب الرفيق ياو، الذي كان قد تميز خلال الحركة المناهضة للرجعية، التي أعقبت حملة "مائة زهرة"، انتقادا قاسيا لقطعة ووهان المسرحية، لكن لم يكن من الممكن نشرها في الأول إلا في شنغهاي، و ليس قبل نونبر 1965، وقد أعلن فيما بعد عن كون مقالة ياو كانت الشرارة الأولى لبداية الثورة الثقافية.

لقد حاولت جيدا، زمرة كتاب بكين، الحد من الجدل الذي تلا ذلك النقد، بتقديم البراهين على الفروقات الأكاديمية الدقيقة للتاريخ، بل ذهبت إلى حد النأي عن الكاتب (و المؤيد لرئيس بلدية بكين) ووهان بهدف الحفاظ على مواقفها.

3−جيانغ جينغ و "أوبرا بكين"، من أجل اختراق البنية الفوقية

كان مجال الفنون إلى حد كبير، خاضعا لسيطرة مجموعة من قادة الحزب الخبراء المزعومين في المجال، فسواء في المسرح أو الموسيقى، فقد دافعوا بكل عجرفة عن التوجه الإقطاعي و البورجوازي، و مثلت الأوبرا أسوأ ماضي في هذا الاتجاه. إن هذه الهيمنة على قطاعات مهمة من البنية الفوقية من قبل نخبة بورجوازية جديدة مرتبطة بالتحريفيين من مستويات عليا في الحزب، كانت انعكاسا للتحول غير الكامل للقاعدة الاقتصادية للمجتمع، هذه الأخيرة كانت ما تزال، حتى قبل الاشتراكية تحتفظ بأعداد هامة من الأعشاش الرأسمالية.

إن الحقيقة العميقة، التي ساهم ماو في إثرائها، هي الحاجة إلى القيام بثورة لاختراق البنية الفوقية في مجالات الأفكار والقيم و العادات و الثقافة، ودفع الطبقتين، البروليتاريا و البورجوازية الجديدة للانخراط وجها لوجه في صراع من أجل إنهائه.

بعد عشر سنوات من السياسات البروليتارية، تم اتخاذ خطوات عملاقة لتحويل الصين شبه الإقطاعية شبه المستعمرة و المتخلفة، فقد شهدت الملكية الخاصة تحولا جوهريا، بتأميم الأراضي و تأميم الصناعة، فبعد أن تحررت الصين من قيود الهيمنة الأجنبية، أصبح الاقتصاد يعتمد منذ ذلك الوقت على حاجيات الجماهير، و ليس على ما يمليه الامبرياليون، اللذين سعوا فقط إلى ملئ خزائنهم، فقد تم كسر الحلقة المفرغة للفقر و الديون، في الوقت الذي تم فيه القضاء على المجاعة و الأمية إلى حد كبير. و بدأت النساء بالذهاب إلى المدرسة بأعداد أكبر و القيام بدور نشيط في الإنتاج و في الحياة السياسية، و لكن في الوقت نفسه، تم منع التغييرات في العديد من القطاعات جزئيا أو كليا من طرف الخط التحريفي و ثقل اضطهاد الماضي.

كان هذا الواقع أكثر وضوحا إذا ما تفحصنا عن كثب "الاختلافات الثلاثة الكبرى"، بين المدينة و الريف، بين العمال و الفلاحين، و بين العمل الفكري و العمل اليدوي.

في سنة 1964 وصف ماو وزارة الصحة العمومية باسم "وزارة الصحة للسادة الحضريين"، و في المصانع، أمرت القيادة التحريفية العاملين بالحد من المناقشات السياسية إلى 30 دقيقة في اليوم حتى لا يتأخر الإنتاج. و كما كشفت واحدة من جوانب الاختراق تحليل تشانغ تشون تشياو حول اليمين البورجوازي، ففي البادية كانت الملكية جماعية، و لكنها لم تكن ملكا لكل الناس، و قد سهلت هذه الحالة الميولات الرأسمالية، بالإضافة إلى ذلك، اختلفت جدا نوعية التربة بين الكومونات، مما نتج عنه فوائد ملموسة بالنسبة للبعض.

إن هذا التناقض بين الاشتراكية و بقايا شبه الإقطاع، بالإضافة إلى الرأسمالية الجديدة، كان واضحا ايضا في النضال الصعب من أجل تحرير النساء الصينيات، فعلى الرغم من أنهن يحتلن الآن وظائف في الإنتاج، و في المستويات الثانوية للحزب، فقد كان على النساء مواجهة الأحكام المسبقة الإقطاعية الثقيلة و الأدوار التقليدية التي فرضت عليهن. هذه السلاسل الإيديولوجية لا يمكن أن تتعرض للاهتزاز إلا من خلال الذهاب بالمعركة إلى البنية الفوقية، لتحقيق تحول اشتراكي أكثر كمالا للقاعدة الاقتصادية.

لقد أثبت النضال، الذي تخلص من القيد على جبهة الثقافة مثالا على هذا الوضع، فقد أدى الخط البورجوازي إلى تقليص الصراع إلى مجرد صراع بين الفن "ينظر إليه بشكل ضيق جدا وفقا لدرجة الإصلاح الاشتراكي" و الفن الذي يمكن للمستأجرين البورجوازيين التعبير عنه، فقط من خلال "عبقرية" الإبداع.

في الواقع، فإن الصراع يركز على المشكلة الأساسية: معرفة ما إذا كان بإمكان البروليتاريا، نعم أو لا ، الاستيلاء على هذا المجال، و إحداث ثورة في البنية الفوقية، هل ستقوض البنية الثقافية القاعدة الاشتراكية أم ستخدمها.

لم يكن اليسار يستعد فقط لشن هجوم على الأفكار البورجوازية، و لكن أيضا و قبل كل شيء، ضد الأفكار و المعتقدات و الأعمال الثقافية، التي حافظت على الانقسامات البالية و الاضطهادية في المجتمع.

كانت أوبرا بكين القديمة، بحد ذاتها عبارة عن حصن إيديولوجي لطبقة الملاكين العقاريين و الرأسماليين، فقد تألفت قائمتها (الأوبرا) إلى حد كبير من أعمال تمجد الفضائل الكونفوشيوسية المتمثلة في الطاعة و الولاء.

و ما يمكن أن نخلص إليه بعد مرور عشر سنوات "كان اختيار أوبرا بكين، من أجل خرق أولي للثقافة، بمثابة مبادرة صحيحة للثورة الثقافية، لانتقاد معتقدات كونفوشيوس و منسيوس، و هذا سيساهم في تفكيك العقائد الروحية، التي استندت عليها الطبقات الرجعية لقرون لخلق جحيم على الأرض".

انخرطت جيانغ جينغ في العديد من التحقيقات، و قامت بزيارة العديد من الفرق المسرحية، و التحدث مع الممثلين و حضور العروض، و الذهاب إلى الكواليس، و مشاهدة الأوبرا في جميع أنحاء البلاد، فجيانغ جينغ لا تهمل أي صغيرة عندما يتعلق الأمر بمواجهة الرجعية القديمة منها و الجديدة.

في غضون سنوات قليلة، تم إنتاج حوالي 37 نصا جديدا، و أحدث المسرحيات و الأوبرات، بما فيها الأعمال النموذجية الأولى، و لإنتاج نصوص حديثة جيدة، طبقت جيانغ المزج بين "ثلاثة في واحد" في ميدان الفنون، بإرسال أطر الحزب و كتاب المسرحيات للعيش وسط الفلاحين و الجنود و العمال، من جهة، من أجل فهم أفضل للتجربة التي ينبغي عليهم توضيحها من خلال أعمالهم، و من جهة ثانية، لبلترة الفنون ببلترة الثقافة و تثويرها. و من جانبها، تقوم الجماهير الثورية بدراسة و نقد الإنتاجات بهدف تحسينها، على سبيل المثال، حضرت جيانغ جينغ عرضا لأوبرا شعبية من هواي تشو سنة 1963، و اقترحت تكييفها مع أوبرا بكين، و على الأرصفة أصبحت واحدة من أولى المسرحيات منذ مجيء الاشتراكية. في الأصل تم تأليف هذه الأوبرا بمساعدة عمال الشحن والتفريغ بمدينة شنغهاي، اللذين كانوا متحمسين للغاية: "في السابق كنا فقط رجال الشقاء، لم يكن لنا الحق في أن نكون جزءا من الجمهور".

لقد أثبت مسرح أوبرا بكين أنه حصن الخط التحريفي في الفنون، و قام كتابه المعينون على الفور بإجراء تعديلات على المخطوطة، محاولين تخفيف طابعها الأممي، و ترقية الشخصيات الثانوية إلى رتبة أدوار رئيسية.

كان عمال الشحن و التفريغ ساخطين: "إن تاريخنا و تاريخ عائلاتنا هو أحد المعاناة المريرة ... عندما يتعلق الأمر بالقضية الثورية التي يقودها الحزب، فإننا نحن العمال أحياء أكثر من أي وقت مضى، مستعدون و مصممون. إن أوبراكم تظهرنا أغبياء و كسالى، أبدا لن تحصد مثل هذه الأوبرا أصواتنا !

في شهر مارس 1965، أعادت جيانغ جينغ صياغة السيناريو و توزيع الأدوار، و أعادت صياغة قصة عمال الشحن و التفريغ طليعة شنغهاي، التي تكافح من أجل شحن السفينة بالحبوب، من أجل تقديم المساعدة لنضالات التحرر الوطني، في آسيا، في إفريقيا و أمريكا اللاتينية، و قد كان عليهم أن يواجهوا العمل التخريبي لعامل متخلف الذي يتلقى الدعم من التحريفيين داخل الحزب.

قام التحريفيون الحقيقيون بالهجوم مرة أخرى، و وصفوا هذه النسخة بالفقر المسرحي، و احتجوا على الدور الهام الذي تلعبه سيدة في الحزب (الذي يقود عمال الشحن و التفريغ إلى كشف المؤامرة و رفع المرسى في الوقت المناسب للسفينة) الذي يسمونه غير واقعي، و حاولوا توقيف العروض، و تلا ذلك صراع عنيد. و قد قامت جيانغ جينغ باستحضار الأممية من أجل تحفيز الفرقة: "إن الشعوب المضطهدة في جميع أنحاء العالم، تتوق لحضور أوبراتنا المبنية على موضوعات ثورية معاصرة، يجب ان يكون لدينا أعلى التطلعات، و أن نكون مصممين على تلبية حاجيات الشعب الصيني، و كذلك احتياجات الشعوب المضطهدة في جميع أنحاء العالم".

بعد سنتين، بعد أن أشعلت نيران الثورة الثقافية المعركة بين الاتجاهين في الساحة السياسية، اكتملت الأوبرا، و قدمت في حفل الذكرى السنوية الخامسة و العشرين لمنتدى يانان.

ساهمت جيانغ جينغ بنفس المستوى في صراع الخطوط، بانتقادها لمحتوى و اتجاه الأعمال الثقافية، مثيرة حاجة الفنانين إلى تشكيل وعيهم، و كذلك اختراق الحياة الحقيقية للجماهير.

إذا كان صراع الخطوط يظهر حاسما في عملها، فقد كانت جيانغ جينغ تولي أيضا اهتماما دقيقا للشكل الفني، و كذلك للوحدة – الهامة جدا – بين المحتوى السياسي الثوري و التعبير الفني للأداء. لقد ذهبت بصفة شخصية إلى المسارح لتشجيع الرؤى المبتكرة، و لكن ايضا لمناقشة الفنانين حول التغييرات، التي يتعين القيام بها، سواء في تأويلهم أو حركاتهم، كما في الإضاءات و الأزياء و الموسيقى و الكوريغرافيا و الغناء من أجل إعطاء بريق جديد للطبقة. لقد انتهت النغمات الحزينة والمصبغة بالنواح، التي ميزت الأوبرات البالية، فهم الآن يقومون بها وقوفا، محولين حزنهم إلى غضب، و عندما كانت النساء تبكين أصبحن الآن يشرعن في الضحك بفرح وعزيمة بدلا من تغطية أفواههن عندما يبتسمن كما كان من قبل، كما حلت قبضة النضال محل إشارة "الأصبع السحلية" الرقيقة، إشارة (حركة) الصين الأرستقراطية.

ملخص معمق من خلاصات أبحاث جيانغ جينغ تم بسطه في خطابها في مهرجان أوبرا بكين، الذي أقيم في صيف 1964، و الذي جمع5000 من ممثلي شركات الأوبرا الإقليمية و المحلية، تحت المراقبة المعادية للهرمية الثقافية التحريفية. هناك، رأت النور أوبرات جديدة تم إنشاؤها، في خضم صراعات حادة داخل عالم الثقافة. و من بين أشياء أخرى، تم تقديم أعمال "هجمات على فوج النمر الأبيض" استحضارا للحرب الكورية، و شاشيابانغ، التي تؤكد على الاتحاد الوثيق بين الجيش و الفلاحين، خلال حرب العصابات ضد اليابان (و قد تم تحويلها أيضا إلى سمفونية).

تم تبادل الكثير حول صراع الخطين ضد التحريفيين، اللذين يعارضون بشدة سيرورة التحول هذه. إنها تجارب جديدة من المجتمع الاشتراكي ترى النور.

لم تترك جيانغ جينغ أي مجال للتحريفيين لكي تتسيد رؤاهم للفن خاصة، و الثقافة عموما، فخلال هذا الظهور الأول أمام العموم، سألت جيانغ جمعية "عالم الفن"، من ينبغي لنا أن نخدم هل حفنة من الأفراد (الملاكون العقاريون، الفلاحون الأغنياء المعارضون للثورة، العناصر السيئة، المحرضون اليمينيون، و البورجوازيون الأتباع) أو 600 مليون (عمال، فلاحون و جنود)؟ إن الحبوب التي نأكلها تأتي من عمل الفلاحين، ملابسنا و مساكننا هي من عمل العمال، و جيش التحرير الشعبي يؤمن دفاعنا في القواعد الأمامية، و نحن لا نذكرهم حتى على الخشبات. هل لي أن أسألكم، إلى أي طبقة تنحازون؟ و أين هو وعي الفنان هذا، الذي لا تكفون عن الحديث عنه؟ " .

خلق شخصيات من الأبطال الثوريين، ذلك ما يجب أن يكون ذا الأولوية، حسب جيانغ جينغ. كان لابد من تشجيع المبدعين و القادة على إنتاج أوبرات تعكس حقا وجهة نظر المادية التاريخية، و يمكن أن تضع الماضي في خدمة الحاضر، و قد أصرت على أهمية إنتاج قطع مسرحية جديدة، سواء عن طريق الإبداع، أو عن طريق اقتباسات المؤلفين.

أمام هذه الموجة الصاعدة التي لا يستطيعون تحديها بصراحة، فقد أعد الأعداء السياسيون لجيانغ جينغ (بدءا بأعداء ماو) وراء الكواليس خطة للتعامل مع هذه الموجة الصاعدة من الثقافة الجديدة و الفن الجديد، فعلى سبيل المثال، كان عليهم الرضوخ لعقد المهرجان، لكن في نفس الوقت حاولوا تخريب إعداد أوبرات تمت برمجتها، حتى أنهم تجرأوا على تغيير نص خطاب جيانغ قبل نشره، و لم تظهر النسخة الأصلية إلا بعد ثلاث سنوات أي سنة 1967، في حين أنه لأول مرة تم الاعتراف بالدور الكبير في تحول أوبرا بكين، و ذلك على نطاق واسع.

بعد فترة وجيزة، واجه جيانغ جينغ بينغ تين عمدة بكين، حول الحاجة إلى المساعدة في بلترة الفنون، و أعطت كمثال، العمل الذي كان قد سبق العمل به مع أعمال مثل باليه "الفتاة ذات الشعر الأبيض" في شنغهاي، و بالتالي، ألا يستطيع أن يأذن لها بالعمل في نفس الاتجاه في أوبرا بكين لإجراء مثل هذا الإصلاح؟ لقد كان رفض العمدة متغطرسا، إذ مزق المخطوطة التي أرادت أن يطلع عليها.

أما دينغ كسياو بينغ، المهتم أكثر بالسعي وراء الغرور و المال، فقد أظهر موقفا أكثر خشونة نحو إصلاح الأوبرا و اعترف قائلا : سأصوت بنعم بكلتا يدي، شريطة ألا أكون مجبرا على الحضور، و أعلن صديقه التحريفي تاوو تشو أنه يفضل اللعب ل ماه- جونغ مع دينغ على أن يكون مجبرا على التصفيق للأوبرات الثورية!

مع تفاقم الوضع في بداية الثورة الثقافية، تظاهر هؤلاء القادة التحريفيون، في محاولة لإنقاذ موقعهم في السلطة بإحداث تصحيح، لكنهم بدأوا يتعثرون منذ الاستيلاء الأول على السلطة خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. لقد كان كشف الخدع و تعرية ميلهم للنظام القديم جزء فقط من المهام التي يجب إنجازها لإعطاء أدوات السلطة لقوى فتية و جديدة، التي تتطلع إلى استبدال النظام القديم، يجب على الجماهير أن تمتلك الوسائل اللازمة للمشاركة الكاملة في خلق الأعمال الثورية، التي ستكون انعكاسا حقيقيا لمصالحها الطبقية البروليتارية. لقد كان هذا النضال مرتبطا تماما بما يجري في كل قطاع من قطاعات المجتمع، لتعزيز دكتاتورية البروليتاريا.

هذه المناوشات بين الخطين في حياة الفنون، لم تكن بدون الإعلان عن عواصف أخرى في الأفق، في حين أن ثقافة و جهاز الحزب بشكل عام، سيصبحان ساحة مهمة للصراع الطبقي في معركة الثورة الثقافية التي استمرت 10 سنوات.

جميلة صابر

18 فبراير2019

Les commentaires sont fermés.