Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

- Page 4

  • نصف السماء في الثورة الصينية

    إن النساء نصف السماء وعليهن انتزاع النصف الآخر

    ماو تسي تونغ

    يعتبر ماو تسي تونغ أن النساء أكثر عرضة للاضطهاد والاستغلال فقد قال عنهن أنهن: "يحملن على أكتافهن عبئ الاضطهاد أكثر من الرجال، إذ بينما يواجه هؤلاء ثلاثة جبال من الاستغلال، تواجه النساء أربعة، لأن الرجال يستغلونهن أيضا".

    ويقول أيضا "أن الأزمنة تغيرت، الرجل والمرأة متساويان، فما يمكن أن ينجزه الرجل يمكن أن تنجزه المرأة ايضا".

    لقد أدرك ماو تسي تونغ أنه لا يمكن بناء صين جديدة شيوعية بدون مشاركة النساء، خاصة وأن النساء قد أبانت منذ انطلاق الثورة، عن استعدادهن لتغيير واقع الصين وواقعهن، فانخرطن انخراطا كليا في هذه الثورة في جميع مراحلها ومساراتها، بل إن النساء الصينيات أبانت عن قدرات تضاهي الرجال، إن لم نقل يتفوقن عليهم، وهذا ما جعل ماو يعتبر أن المرأة عموما تتمتع بطاقة ثورية هائلة وبالتالي على الثورة أن تهتم بهن وتحررهن.

    إن المسيرة الطويلة الكبرى تعد أحسن مثال يمكن تقديمه، للوقوف على الدور البالغ الذي كان للنساء الصينيات في هذه الثورة، وإذ اكان ماو قد أدرك ما يمكن أن تقدمه "نصف السماء" للنساء وللصين وبأن عليهن انتزاع النصف الآخر، فإن النساء أيضا أدركن أنه لا يمكن أن يخرجهن من وضعية قرون وسطى دامت آلاف السنين إلا ثورة شيوعية تقلب كل الهياكل وتنسف كل القوالب التي وضعت فيها المرأة الصينية عبر آلاف السنين.

    وهذا ما سنحاول إبرازه في هذه المقالة بمناسبة الذكرى 68 لانتصار الثورة الصينية العظيمة.

    بقول ماو تسي تونغ أن الأزمنة تغيرت، وأن الرجل والمرأة متساويان، وأن ما يمكن أن ينجزه الرجل يمكن أن تنجزه المرأة أيضا، فهو يعترف بالتقدم الذي تحقق في الفترة السابقة، لكن ذلك التعبير كان له لهجة أكثر تعبيرا، وهو أنه يجب بصفة مطلقة تغيير عقليات مجموع نساء الصين من أجل وضع "نصف السماء" هذه على قدم المساواة مع الرجال، وقد أدرك ماو تسي تونغ والحزب الشيوعي مبكر، الأهمية التي يمكن أن تلعبها النساء – كل النساء- في مجتمع الديموقراطية الجديدة وفي المجتمع الاشتراكي، الذي يطمح إليه.

    لقد رأى ماو أن النساء هن ضحايا اضطهاد البنيات الإقطاعية التقليدية، الراسخة في المجتمع الصيني منذ آلاف السنين، ورأى أهمية إدماج النساء في الأنشطة السياسية والاقتصادية والعسكرية، إذ يجب أن يتحملن مسؤولية المهام التي كان يتقلدها الرجال والنضال في مختلف الجبهات، لقد أدرك ماو تسي تونغ أهمية دور النساء في الثورة الديموقراطية الشعبية، وخاصة الفلاحات منهن، وهذا ما ظهر وتجلى  في جميع أطوار ومسارات هذه الثورة، ويكفي أن نأخذ كمثال تجربة الثورة الصينية في المسيرة الطويلة الكبرى التي بدأت سنة 1934 واستمرت سنة، للبرهنة على الدور الذي لعبته المرأة الصينية في نجاح الثورة.

    لقد تأكد في هذه المسيرة الطويلة، أي قدرات وأي نضال وأي نكران للذات أبانت عنه هذه المرأة الصينية، التي كانت تعيش كل ظروف الاستعباد والقهر والاضطهاد والاستغلال، فنهضن من أجل تكسير كل قيودهن وأغلالهن.

    في مجرى أحداث هذه المسيرة برزت نساء شجاعات ومقاتلات لا يشق لهن غبار، ففي سنة 1934، أثناء هجومات قوات الكيومنتانغ، والتي أدت بماو تسي تونغ والحزب الشيوعي الصيني إلى اتخاذ قرار إطلاق المسيرة الطويلة الكبرى، حفاظا على الجيش الأحمر الصيني وعلى الحزب الشيوعي الصيني، انضمت النساء بالمئات، ولم يصل منهن إلى يان آن سوى العشرات، لقد أتين من كل الآفاق، ففيهن الشابات والطالبات ونساء متزوجات رافقن أزواجهن خلال  المسيرة،  أو هربن من زوج متجبر قاسي، وبينهن رفيقات من هن زوجة ماو، وبنات مدن متعلمات وأيضا فلاحات أميات، وقد شاركن خلال المسيرة الطويلة في التنظيم والوظائف اليومية للمخيمات، ولعبن دورا أساسيا في تجنيد مناضلين جددا، وتقلدن مهمة الاتصال بالفلاحين في القرى، التي تقطعها المسيرة، ومن أجل إثارة تعاطفهم ومساندتهم اشتغلن بالعمل على تحسين المعيش اليومي لهؤلاء السكان (تعليم، علاجات طبية) وهذا يمكنهن من نشر الأفكار وبرنامج الحزب، لقد قمن بدعاية حقيقية للحزب الشيوعي. كانت المهام التي تقلدنها مكملة لمهام الجنود، وكان هذا التكامل مهما أيضا بالنسبة لشخصيتهن، فقد تحملن في نفس الوقت قلق الحرب ونقص الغذاء والألم الجسدي، كما هو الحال بالنسبة لأي رجل جندي، لكن تحملن أيضا الصعوبات التي تفترضها أنوثتهن (الحيض، الحمل، الولادة، الإجهاض، هجر الأطفال والحياة الزوجية).

    من جهة أخرى، فرغم اختلاف أصولهن والمسارات الشخصية لهؤلاء النساء، فقد انخرطن في المسيرة لنفس السبب، ألا وهو الإيمان أكثر من الرجال، أن الثورة الصينية ستغير وضعهن وتخلصهن من الاضطهاد، لذلك كن نساء شجاعات ومقاتلات. لقد تجلت أنوثتهن وإنسانيتهن تجاه الساكنة المحلية على طول المسيرة،

    فقد لعبن إذن دورا ماديا وعمليا في المسيرة، ولكن ساهمن أيضا في تحقيقها وفي انتصارها بشكل نفسي ورمزي أكثر، وكل هذا تؤكده الأقوال التي جاءت على لسان بعض النساء المجندات في المسيرة الطويلة.

    تقول وانغ تشو آن قائدة فوج نسائي تابع للجيش الأحمر:

    "كنت أحس بالرصاص يمر بالقرب مني، إلا أنني لم أكن خائفة، بل كنت أقود زميلاتي بكل شجاعة لمحاربة الأعداء ..."

    وتقول أيضا:

    "كانت المجندات أثناء القتال في غاية الشجاعة والبسالة، حيث قصصن شعرهن وتنكرن كالرجال، وشاركن في المعارك غير مباليات بالموت والتضحية ... وإذا لم تكن الذخيرة كافية كن يستخدمن الأحجار لرمي الأعداء بها".

    وتقول ليو تيان يوي وهي أيضا إحدى المجندات في الجيش الأحمر أثناء المسيرة الطويلة:

    "إذا اشتد بنا الجوع، كنا نجمع بعض الأعشاب أو جدور النباتات البرية لإعداد حساء نشربه، وبهذا الأسلوب كنا نتغلب على المجاعة".

    وتقول مجندة أخرى وهي وانغ دينغ قوة:

    عقدنا العزم على السير في طريق الثورة تحت قيادة الحزب الشيوعي، وكنا على استعداد للتضحية بأرواحنا، لم نطأطئ رؤوسنا أمام المشاكل والصعوبات أثناء عبور الجبال الشاهقة والأنهار الكبرى، بل واجهنا كل هذه الصعوبات بالأغاني المبهجة والمفرحة وبنضالنا وصمودنا".

    إنه حقا التفاؤل الثوري، فالثوريون دائما متفائلون، أليس الهدف تحرير الشعب الصيني وتحرير أكثر من نصفه المضطهد والمستغل والمستعبد ألا وهن النساء؟

    ولفهم بعض من تاريخ تحرر المرأة الصينية، نقدم لمحة عن أوضاع المرأة الصينية ما قبل الثورة وما جاءت به الثورة لصالح النساء الصينيات.

    كانت المرأة في الصين القديمة شبه الاستعمارية وشبه الإقطاعية دائما مضطهدة في المجتمع إلى أقصى درجة، ففي النصف الأول من القرن العشرين، قاد الحزب الشيوعي الصيني فوق هذه الأرض الموغلة في القدم التي هي الصين، أعظم ثورة وطنية وديموقراطية، التي أعلن خلالها عن حركة جماهيرية واسعة لتحرير المرأة، وبذلك حصلت المرأة الصينية على تحررها الذي يعد الأهم على طول تاريخ الصين أثارت اهتمام العالم أجمع.

    كان النظام الباطرياركي الإقطاعي الذي عمر آلاف السنين  يستغل المرأة بشكل فظيع، واضطهدها في جميع ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والجنسية والسرية، فقد وجدت المرأة في وضعية اللامساواة مع الرجل، ويتجلى ذلك في عدة مظاهر أساسية، فسياسيا حرمت المرأة الصينية من كل حقوقها، فقد كانت خارج الحياة السياسية والاجتماعية وتابعة اقتصاديا للرجل، فلم يكن لها حق الملكية وليس لها أن ترث خيرات العائلة، ولم تكن تتوفر على أي مورد عيش يخصها، وجعلها وضعها الاجتماعي خاضعة للأب وللزوج بعد الزواج، كما كانت محرومة من الحصول على التعليم والمساهمة في الأنشطة الاجتماعية، وعلى صعيد الزواج لم تكن لها أي حرية، فقد كانت مجبرة على طاعة أوامر والديها في اختيار زوجها، ويكون عقد زواجها عن طريق وسيط ، وإذا توفي زوجها فليس لها الحق في الزواج من بعده، مضطهدة روحيا، حيث كانت ضحية لتعدد الزوجات وتشريع الدعارة .

    من جهة أخرى فإن غالبية النساء كن مجبرات على تضميد القدمين لمنع نموهما، هذه الممارسة التي استمرت مئات السنين، جعلت من "النساء ذوات القدمين المضمدة" اللقب الذي يطلق على النساء الصينيات. وقد أجج الغزو المتتالي للصين من طرف القوى الاستعمارية بعد حرب الأفيون 1840 بؤس المرأة الصينية، وخلال الحرب العدوانية اليابانية على الصين في سنة 1937 فقط قتل أكثر من 30 مليون صيني أغلبهم من النساء والأطفال، وخلال شهر فقط الذي تلا الاحتلال الياباني لمدينة نانجينغ من طرف الجيش الياباني، ارتكب المحتلون حوالي عشرة آلاف اغتصاب.

    إن الاضطهاد والاستغلال البشعين للشعب الصيني من طرف الامبريالية والإقطاعية والرأسمالية البيروقراطية المتواطئة دفعا الصين إلى حافة الدمار، وفي نفس الوقت دفعا المرأة إلى هاوية من الآلام لا قرار لها.

    على امتداد مئات السنين شنت النساء الصينيات نضالات مختلفة، وستنطلق حركات متوالية من أجل تحسين وضعية المرأة، من قبيل منع تضميد أقدام النساء، وتشييد مؤسسات تعليمية للنساء، وتحقيق المساواة بين الرجال والنساء، وهي ثورة ديموقراطية بورجوازية قادها صن يات صن الزعيم التاريخي لحزب الكيومنتانغ، فثورة 1911، أطلقت حملة نسائية هدفها الأساسي تحقيق المساواة بين الرجال والنساء، وقد ساهمت مختلف هذه الحركات في يقظة المرأة الصينية، لكن دون تغيير جدري للقدر البئيس للمرأة الصينية المضطهدة والمستعبدة.

    لكن منذ أن تأسس الحزب الشيوعي الصيني صوب، كواحد من أهدافه، تحقيق تحرر المرأة والمساواة بين الرجال والنساء، فتحت قيادة الحزب الشيوعي تعبأت النساء بشكل واسع وتنظمن، مكونات جبهة واسعة موحدة، مكونها الأساسي العاملات والفلاحات، بالتضامن مع نساء كل الأوساط الأخرى والانتماءات العرقية في البلاد، حركات جماهيرية من أجل تحرير النساء مرتبطة ارتباطا وثيقا بالثورة الصينية.

    لقد وضع تأسيس الجمهورية الشعبية الصينية في أكتوبر 1949 نهاية لآلاف السنين من التاريخ، حيث كانت النساء الصينيات مضطهدات ومستعبدات من طرف الإقطاع، ومضطهدات من طرف المعتدين الأجانب.

    تحركهن عقلية جديدة كل الجدة، فقد انتصبت النساء الصينيات، وأصبحن سيدات الصين الجديدة. ففي سنة 1949 سنة انتصار الثورة، عقد المؤتمر الاستشاري السياسي جلسته العامة، في أول دورة له في مدينة بكين بمشاركة 96 امرأة، أي بنسبة 10,4% من المندوبين، وقد ناقشن مع الرجال مشاريع في إطار بناء الصين الجديدة، وبهذه المناسبة انتخبت السيدة سونغ شينغ لينغ النائبة الرئيسية للحكومة الشعبية المركزية، وترقت كل من لي ديكان وشي ليانغ إلى مناصب قيادية في الحكومة.

    وقد أعلن "البرنامج العام للدستور" المؤقت، والذي له صلاحية قانونية، رسميا إلغاء النظام الإقطاعي، الذي كانت فيه النساء مضطهدات، وأصبحت النساء منذ ذلك الحين يتمتعن بنفس الحقوق التي لدى الرجال في جميع مجالات الحياة، السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية والاجتماعية.

    وهكذا ولد عهد جديد لتحرر المرأة، من أجل تحويل الحالة السياسية والثقافية المتأخرة الموروثة عن الصين القديمة بشكل سريع، وتخليص النساء من نير التمييز والاضطهاد الذي أنزلته بهن الأنظمة والعادات القديمة، وأطلقت في البلاد كلها وعلى نطاق واسع حركة جماهيرية، الشيء الذي سمح بتغيير جدري لموقع النساء ووضعهن الاجتماعي في عدة مجالات نذكر منها:

    - الإصلاح الزراعي: رغم أن الفلاحين الفقراء والفلاحون الأجراء يشكلون 70% من الساكنة الفلاحية، فلم يكونوا يملكون في الصين القديمة إلا 10% من الأراضي، أما النساء فلم يكن لهن حتى حق الملكية، وغداة تأسيس الصين الجديدة، انطلقت موجة شاسعة من الإصلاح الزراعي في المناطق الفلاحية، وحسب مبدأ "توزيع الأراضي لكل فرد من السكان" حصلت النساء على الأراضي مثل الرجال، وبذلك تم القضاء على عدم المساواة بين الرجال والنساء.

    - الاقتراع العام : نص قانون الانتخاب في الجمهورية الشعبية الصينية، الذي صدر سنة 1953 ، على أن النساء لهن نفس الحق في أن ينتخبن ( فتح الخاء) وينتخبن (كسر الخاء) مثل الرجال، وفي شهر دجنبر من نفس السنة، نظمت الانتخابات في المجالات الأساسية في مجموع البلاد، ويتعلق الأمر هنا بأول اقتراع عام في تاريخ الصين، صوتت فيه أكثر من 90% من النساء، 17% منهن انتخبن كممثلات للشعب في المجلس الشعبي، وهذا يبرهن على أنه منذ مجيء الصين الجديدة، شاركت النساء الصينيات في تدبير شؤون الدولة والشؤون الاجتماعية، على المستوى القانوني كما على مستوى الوقائع الفعلية، وهذا يبين مدى التباين الصارخ مع بعض البلدان الغربية، حيث أن قانون الانتخاب فيها لم يمنح للنساء حق الانتخاب إلا في القرن العشرين، خاصة بعد أن حققت الثورة الاشتراكية في أكتوبر بروسيا قصب السبق في منح هذا الحق للنساء إضافة إلى حقوق أخرى .

    - المشاركة في الأنشطة المنتجة: مع نمو الاقتصاد وتطوره في جميع أنحاء البلاد، خرجت النساء من داخل جدران بيوتهن للمشاركة في الأنشطة المنتجة، ففي سنة 1957 شاركت حوالي 70% الفلاحات في الإنتاج الزراعي، وفي المدن تم إحصاء 3286000 عاملة ومستخدمة، أي 5,5 مرة أكثر من سنة 1949، وولى إلى غير رجعة ذلك الزمن، حيث كانت النساء في الصين القديمة مقصيات من الإنتاج، ومنذ ذلك الحين تمكن من ضمان مواردهن الاقتصادية الخاصة بهن.

    - القضاء على الأمية: كان في الصين القديمة 90% من نساء الصينيات أميات، ومن أجل الرفع من المستوى الثقافي لمجموع الصين، أطلقت الصين الجديدة حركة واسعة لمحو الأمية، والتي تمت مباشرتها بشكل منهجي وخاضع للتخطيط. وهناك ثلاث فترات تطور تم تسجيلها في هذا الموضوع: سنوات 1952، 1956، 1958، حيث أطلقت حملات في المدن الكبرى، وتعلمت الآلاف من النساء القراءة والكتابة، في دروس ابتدائية، ودروس مسائية، أو في مدارس للعمال والمستخدمين، تشتغل خارج أوقات العمل، وفي سنة 1958، أصبحت 16 مليون امرأة، كن لحد هذا التاريخ أميات، بإمكانهن القراءة والكتابة، وهكذا تم تحقيق النتائج الأولى لوضع نهاية للجهل والحالة المتأخرة للنساء.

    - الدعاية للقانون حول الزواج وتطبيقه : شكل قانون الزواج الذي صدر سنة 1950، أول قانون للجمهورية الشعبية الصينية، وينص هذا القانون صراحة على إلغاء نظام الزواج الإقطاعي، الذي يمجد الزيجات المرتبة سلفا والزواج القسري، واحترام الرجال واحتقار النساء، وإهمال مصالح الأطفال، وهكذا تم إنشاء نظام زواج جديد يشدد على زواج نابع من اختيار حر للزوجين، والزواج الأحادي والمساواة بين الرجل والمرأة، بالإضافة إلى حماية الحقوق والمطالب المشروعة للنساء والأطفال، ولقد كان هذا القانون التحول الأعمق، الذي حصل في الحياة الزوجية والأسرية للمجتمع الصيني منذ آلاف السنين .

    منذ صدور هذا القانون تم إطلاق حركة جماهيرية واسعة في مجموع البلاد من أجل نشره وتطبيقه، وبفضل ذلك، توقفت العديد من الخطوبات على النمط الإقطاعي، وتقلصت بسرعة ظواهر إهانة المرأة، فالاختيار الحر للزوج والزوجة، والزواج المؤسس على العاطفة والحب أصبح ممارسة جاري بها العمل. وبعد سنوات من الجهود الشاقة، فإن النير الذي فرضه نظام الزواج القديم، والذي يرجع لمئات بل لآلاف السنين تحطم إلى الأبد، وتحققت حرية الزواج في معظمها بالصين.

    - حظر الدعارة: تعتبر الدعارة واحدة من الظواهر الحقيرة المتوارثة عن المجتمع القديم كأقدم حرفة في التاريخ، ومباشرة بعد تأسيس الصين الجديدة، اتخذت إجراءات قوية من أجل حظرها. وفي نونبر من سنة 1949، اتخذت الجمعية الشعبية البلدية الثانية في بكين مبادرة منع الدعارة، وحسب القرارات التي تم تبنيها خلال الاجتماع المنعقد، فقد تم إغلاق دور الدعارة التي كانت مفتوحة، وتم تجميع العاهرات، من أجل اتباع إعادة تربية إيديولوجية، ومعالجة أمراضهن الجنسية، وبفضل مساعدة الحكومة، استطاعت هؤلاء البئيسات إعادة بناء حياة عادية ويعشن بعملهن الخاص. وقد اتبعت كل من شنغهاي وتيانجين ومدن متوسطة أخرى نفس إجراءات مدينة بكين، واختفت نهائيا، وفي مدة قصيرة، في الصين الجديدة، هذه الظاهرة التي تهين النساء وتحتقرهن على المستوى الجسدي والنفسي، والتي لم يتم التمكن من حظرها في المجتمع القديم، لقد زرعت عقلية جديدة في المجتمع الصيني.

    لقد نجحت الصين عبر هذه الحركات الواسعة النطاق، من اجتثاث كل هذه القذارات التي تركها المجتمع الإقطاعي، الذي عمر آلاف السنين، وحرر النساء بشكل جدري، في كل الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأسرية.

    إن هذا التغير العميق في تطور التاريخ الحديث للصين، حقق من جهة، الفخر للصين الشيوعية، ومن جهة أخرى أتى بمساهمة كبيرة في الحركة العالمية لتحرر النساء.

    وهكذا، إذا كانت حركة تحرر النساء في الصين، قد انطلقت بالفعل مع تأسيس الحزب الشيوعي الصيني سنة 1921، وشكلت مرحلة الثورة الديموقراطية الجديدة، التي استمرت إلى حدود سنة 1954، قفزة في هذه الحركة، فإن الثورة الاشتراكية بعد ذلك قامت بتعميق الإنجازات الثورية لصالح المرأة الصينية عموما، والمرأة العاملة والفلاحة خصوصا، وقد عرفت هذه الإنجازات أوجها إبان الثورة الثقافية البروليتارية العظيمة.

    "إن النساء نصف السماء، وعليهن انتزاع النصف الآخر" كما يقول زعيم الثورة الصينية العظيمة ماو تسي تونغ، وإذا كانت التحريفية قد قامت بانقلابها السيء الذكر، متنكرة لكل التراث الثوري للثورة الصينية، فإن الثورات البروليتارية المقبلة، عليها أن تنتزع النصف الآخر من السماء وتقود ثورات داخل الثورة.

    28 – 9 – 2017

    جميلة صابر