Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

ناديا كروبسكايا : المعلمة البلشفية الرائعة ــ الجزء الأول

 

  

بمناسبة الذكرى 78 (1869– 1939) لوفاة المعلمة البلشفية العظيمة ناديا كروبسكايا، يقدم موقع "8 مارس الثورية" وفاءا لهذه الثورية الكبيرة، تعريفا بمسار حياتها و الأدوار الرائدة و العظيمة التي قامت بها من أجل روسيا والشعب الروسي و رفيقة للمعلم الكبير إيليتش أوليانوف (لينين)

 

 

 

 

 

 

 

ناديا كروبسكايا : المعلمة البلشفية الرائعة

 

الجزء الأول 

 

إن كل من يتتبع مسار حياة ناديا كروبسكايا رفيقة إيليتش أوليانوف (لينين)، لا يمكن إلا أن يكون منبهرا ومشدوها أمام هذه المرأة الرائعة، ويعجب بها أيما إعجاب، حتى أنه يمكن القول وبدون مبالغة، ويتجرأ على القول ولا يأخذه في ذلك لومة لائم، أنه لولا كروبسكايا لما كان لينين، بل و أكثر ، أنه لولا كروبسكايا لما توفرت العديد من الشروط التي ساهمت بقوة في ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، لأنه قليلون من يدرك أنه في التفاصيل وما يظهر أمورا صغيرة، عندما يجمع يعطي أشياء عظيمة، وهذا ما ينطبق على هذه المرأة العظيمة، ناديا كروبسكايا .

إن ما تحفل به ثنايا الكتب والكراسات والأرشيفات والشهادات والأقوال حول هذه المرأة، يجعلك تقف وقفة إجلال واحترام لها ويشد بلبابك شخص هذه المرأة وعقلها وقلبها، بل تصاب بكل المهابة وأنت تكتب عنها مخافة أن لا توفيها حقها. اعتبارا لكل ذلك العمل الضخم والهائل الذي قامت به، والأدوار التي لعبتها في تاريخ روسيا قبل الثورة وبعدها.

كروبسكايا هي تلك المرأة المتعددة الأبعاد، المرأة ذات المهمات الصعبة وصاحبة التفاصيل الدقيقة، تلك التفاصيل التي لا ينتبه لها في الغالب، لكن تخرج منها عظائم الأمور وجلائل الأعمال.

كانت كروبسكايا كل شيء وأي شيء يتعلق بلينين وبالثورة وبمصير روسيا، هي سكرتيرة لينين، سكرتيرة تحرير جريدة "الإسكرا"، تحملت مسؤولية المراسلات والتصحيحات والتنسيق والإشراف على إدخال "الإسكرا" التي كانت تصدر بالخارج والوثائق إلى روسيا وعبر أوروبا، كانت تتولى الإشراف على الاستقبالات في المنزل (تستقبل الرفاق الذين يأتون من بعيد)، تحدد مواعيد اللقاءات وحتى وسائل الاتصالات وأماكن المواعيد هي من يتولاه، هي التي تكتب الرسائل وهي من يضع لها الشفرات وهي أيضا من يفك هذه الشفرات، ويحكى عنها أن في غرفتها تشتم دائما رائحة الورق المحترق الآتي من الرسائل التي تدفئها فوق المقلاة لتقرأها.

إضافة إلى كل هذا فقد كانت مساعدة لينين على منهجية القراءات المختلفة والمشاركة في الكتابة، بل إن منهجية العمل نفسها هي التي نقلتها إلى لينين، وليس في ذلك غرابة، ألم تكن بيداغوجية عصرها وما قبل عصرها وما بعده وباعها في ذلك طويل وصل درجة العالمية.

أكثر من كل هذا، ويا لعظمة هذه المرأة، فلم تكن تغب عنها لا الأشياء الكبيرة ولا الصغيرة (يعني كما يقول المغاربة الشاذة والفاذة) وحتى تلك التي قد تبدو تافهة يكون لها كل التأثير والأهمية لاحقا.

لقد كانت راحة لينين دائما هاجسها، فهي الأكثر إدراكا للمسؤولية العظيمة الملقاة على كاهله، تلك المسؤولية التي تعتل لها الصحة ويصيب التفكير المستمر صاحبها بالوهن، لذلك فقد كانت تقود لينين كلما أحس بالتعب أو المرض إلى قمم الجبال السويسرية (عندما كانا مستقرين بسويسرا) وغاباتها مشيا على الأقدام، يعود لينين بعدها متجددا قويا ومتحمسا لإنجاز أعماله المختلفة والكثيرة، حيث يستطيع إنجاز عشرات المقالات والدراسات في فترة وجيزة.

هل كان بإمكان لينين لوحده أن ينجز هذه الأعمال ؟ هل كان لينين لوحده قادرا على القيام بكل هذه المهام - التي تشيب لها الولدان - وهو الذي كانت صحته تعتل باستمرار لولا وجود كروبسكايا إلى جانبه؟ طبعا إن عمل الفريق وحده الذي يكون منتجا دائما وهذا ما شكله الرفيقان كروبسكايا ولينين.

إذن للحقيقة والتاريخ، عندما تنطق باسم لينين، لا يمكنك إلى أن تقرنه باسم كروبسكايا، فقد كانت حاضرة في حياته بشكل لا يقبل الفصل أبدا كالتوأم السيامي.

منذ أن التقت كروبسكايا لينين لأول مرة، وحتى قبل لقائهما، كانت قد وضعت لنفسها مكانا في الثورة القادمة وشقت لنفسها طريقا للثورة لا رجعة فيه، وكما أشرنا إلى ذلك سابقا فهي حاضرة في كل شيء يهم لينين، لا يمكن تجاهلها أبدا، هي في الكبيرة والصغيرة، في العام والخاص، في الكل والجزء، إنها حاضرة في أدق تفاصيل حياة إيلتش أوليانوف، وبذلك يصح في حالة كروبسكايا المثل القائل "وراء كل رجل عظيم امرأة" وإذا توخينا الدقة والموضوعية في حالة هذه المرأة يجب القول "وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة" .

مثلت، وتمثل كروبسكايا نموذج النساء العظيمات اللواتي يصنعن التاريخ، بل إن التاريخ لا يمكن أن يتقدم إلى الأمام إلا إذا سارت النساء في ركابه بل وقدنه، لكن النظام الأبوي السائد والمجتمع الذكوري الباترياركي والعقلية الذكورية القابعة في أعماق الذكور، تأبى إلا ان تطمس أي عمل عظيم للنساء وإلغائهن من مقدمة الصورة ليتوارين خلف الرجال.

في كل ما أنجزته كروبسكايا وقامت به، كانت الكتابة والطباعة تحتل مركزا كبيرا ضمن اهتماماتها المتعددة والمختلفة، فآلاف الكلمات ومئات الكتب والنصوص وعشرات المجلدات وآلاف الأفكار التي خرجت من دماغ لينين – والكثير منها من وحي النقاشات مع رفيقته – كل هذا كانت أصابع كروبسكايا وأناملها من رقنه على الآلة الكاتبة، فبفضلها خرج ذلك الفكر السديد الذي انتشر بين الناس ونهل منه الثوريون من داخل روسيا وخارجها.

فأي أنامل تلك التي كانت تضغط على الآلة الكاتبة فتخرج تلك الإنتاجات الفكرية والسياسية الغزيرة والهائلة إلى الملأ، لقد كان العمل مكثف بشكل كبير، والوقت ضاغط بشكل رهيب، وبسبب هذا لا يمكن لتلك الأنامل إلا أن تكون قد تورمت وانتفخت، بل قد تكون نزفت دما، لكن صاحبتها لم تكن لتهتم، ولا لتتبرم مما تفعله، فهي لم تكن تشعر بأناملها فليس لها ترف حتى تفقدها والاهتمام بها، فالمسألة عظيمة والقضية ملحة وعادلة، ثورة المستقبل، كل شيء في سبيل الثورة يهون، فقضية الثورة وقلب روسيا رأسا على عقب، يستحق دماءا تنزف وجسدا ينهك وعيونا تنتفخ، من أجل تحرير الشعب الروسي وإخراجه من غياهب الظلام إلى آفاق الأنوار، وانتشاله من ظلمات القرون الوسطى التي يعيشها، و وضعية العبيد التي يكابدها عمالا وفلاحين وكل بؤساء الشعب. ثم إن ظروف إعداد الثورة والتهيئ لها يتطلب نكران الذات وبذل كل الجهود كاملة غير منقوصة واشتغال كل الجوارح، كل الكيان يجب أن يستنفر، يجب إخراج كل الطاقات التي لديك، فقضية الثورة وضرورة نجاحها وانتصارها، وملحاحية توفير شروطها يبذل له الغالي والنفيس وكل عصارة المهجة والعقل، وأيضا فمن أجل فتح الطريق أمام البشرية لتحقق انعتاقها فكل الصعاب تهون.

أية عيون هاته التي سهرت الليالي لا يغمض لها جفن، ترقن الكلمات تلو الكلمات وجمل تسابق بعضها وصفحات يشد بعضها في بعض، كل ذلك والمرأة في عجلة من أمرها، فالمهام ثقيلة تعجز الجبال عن حملها، والوقت لا يسعف، ضيق بشكل رهيب، ويمكنك أن تتصور كم تمنت أن يتمدد النهار وكم استعطفت الليل ليزيد طولا، حتى تستطيع إنهاء المكتوب، ذلك الذي يجب أن يأخذ طريقه في الصباح الباكر حسب الوجهات المحددة لديه، فإذا كان نحو روسيا فالطريق طويلة والمطبات في الطريق هائلة، فعيون القيصر مبثثة في كل مكان، ساهرة لا تنام، تترصد لاقتناص أعدائها وما أدراك من أعداء، فهي امرأة اشتغلت في المنافي داخل روسيا وفي ديار الهجرة المؤقتة، ومتابعة مع رفيقها في كل مكان، لقد اشتغلت في قر الطقس وقساوة برد الشتاء، فأي جسم هذا يتحمل كل هذا إن لم تكن صاحبته امرأة استثنائية.

كل هذه المهام العظيمة والأعمال الهائلة قامت بها كروبسكايا، وسيظل التاريخ يذكر لها كل تلك الأعمال الجليلة والصنائع العظيمة، هي التي اشتغلت كالنملة وتنقلت كالنحلة، لا يرف لها جفن، لا تمتهن الشكوى، لا تقول آه حتى وهي في حالة من العياء أو التعب أو المرض.

إنها بحق امرأة وأي امرأة، إنها المعلمة الكبيرة، والمثقفة العضوية الملتزمة والعالمة البارعة والمربية الفذة، إنها الناشرة والموزعة التي لا تكل، إنها الداعية والمحرضة والمنظمة، إنها في الحزب لبؤة لا يشق لها غبار، إنها كذلك وبامتياز تلك المنظرة البيداغوجية متفردة زمانها، التي آمنت إيمانا قويا بألا تقدم للشعب الروسي ولا تحرر له والأمية تنهش عقول كباره وصغاره، نسائه ورجاله، فجعلت من محاربة الأمية ونشر التعليم في صفوف العمال والفلاحين والكادحين عموما، قضيتها الثانية بعد قضية الثورة، بل اعتبرتهما يتماشيان معا بالتوازي، كانت دائما وسط العمال وفي قلب همومهم، لصيقة بالمضطهدين والمستغلين، وليس ذلك بالأمر الغريب، فالمرأة تشبعت بالفكر الماركسي وتعلقت بأفكار رائديه كارل ماركس وفردريك انجلز، منذ أن وعت وفتحت عينيها على واقع روسيا المتخلف وعلى قهر القيصرية لشعوب روسيا.

إذا كانت كروبسكيايا قد أريد لها أن تبقى قابعة في الظل، حتى ليخيل للكثيرين أن هذه العبقرية اللينينية هي من صنع لينين وحده، فيكفيها فخرا أنها كانت تلك الشمس الوقادة التي أنارت لرفيقها الدروب المظلمة، وفتحت أمامه المسالك الوعرة وعبدت أمامه الطرق المنعرجة وسهلت عليه الصعاب المتعددة.

لقد كان حقا، ذلك اليوم الذي التقت فيه كروبسكايا رفيقها لينين يوما مشهودا، فقد كان له ما بعده، فقد شكل ذلك الحد الفاصل لما ستكون عليه روسيا في المستقبل، فما أرقها من ريح تلك التي رمت بها في طريق إليتش أوليانوف، وما أسعده من حظ ذلك الذي قادها نحوه، ما أعظمه من يوم ذلك الذي ولدت فيه، فقد أعطت ما استبقت شيئا.

مهما كتب عن هذه البلشفية الرائعة ومهما قيل عنها، فإن ذلك لن يوفيها حقها، وسيكون عاجزا كل من حاول حصر فضائلها وجمع جميل صنائعها وتلخيص كل ما قدمته لروسيا الوطن ولروسيا الشعب.

نختم الكلام بالقول، ونموذج كروبسكايا ماثل أمامنا، لمن ينكر على المرأة أدوارها في التاريخ صناعة، وفضلها على الثورات مسارا وإنجازا، هل كان لينين لوحده قادرا على القيام بكل تلك المهمات، وفي أدق تفاصيلها لو لم تكن رفيقته كروبسكايا إلى جانبه ؟ وهو الذي كانت صحته تعتل باستمرار بحكم الإجهاد الفكري والقلق الدائم الذي تتطلبه الثورة وهم الثورة وهاجس الثورة.

فسلام عليك أيتها البلشفية العظيمة والرائعة، يوم ولدت ويوم تحيين وتبعثين في قلوب كل المضطهدين والمضطهدات، المستغلين والمستغلات وكل ثوار وثوريات العالم.

جميلة صابر

24 – 2 - 2017

 

Les commentaires sont fermés.